الأربعاء، 15 يونيو 2011

يامسافر على بحر النيل أنا ليّ فى مصر خليل


الحنين إلي الأوطان
الخروج من الوطن قد يكون عقوبة

قال تعالي :(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً )النساء66
هنا قرن الله تعالي بين قتل الإنسان نفسه وبين خروجه من داره ووطنه ، وان كانت الآيات نزلت في بني إسرائيل ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وتلك الآيات تعرفنا كثيرا من الحالة النفسية للإنسان ومدي حبه لوطنه فتأمل آيات الله تعالي تتحدث عن الديار والأوطان ومدي تعلق النفس ،والنفس مجبولة علي حب ملاعب الصبا ، والله الذي خلق النفس وسواها هو الذي  قرن بين القتل  والخروج من الديار ، فالخروج من الديار كالقتل .

قال تعالي :({وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ }البقرة84

وقال تعالي :أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ }البقرة246

قال تعالي :(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ )آل عمران195

رفق النبي  صلي الله عليه وسلم بالمسافرين

فقد اخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((السفر قطعة من العذاب ،
يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره، فليعجل إلى أهله)
وأوضح من ذلك ما أخرجه البخاري602 :عن مالك بن الحويرث:أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رحيما رفيقا، فلما رأى شوقنا إلى أهالينا، قال: (ارجعوا فكونوا فيهم، وعلموهم، وصلوا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم).

والعرب أكثر أهل الأرض في التعلّق بأوطانهم ، وهو ما أنعكس بوضوح جلي في أدبهم وأشعارهم.

وهناك حكيم سألوه عن اللذة الحقيقية فقال: الكفاية مع لزوم الأوطان، ومحادثة الأخوان، فقيل له:وما الذلة؟ فقال: النزوح عن الأوطان، والتنقل غريبا بين البلدان.
قلت : والحزن صنو الحنين الي الأوطان ورفيقه الدائم

 ويقول الطائي الشاعر :
كم منزل في الأرض يألفه الفتى        وحنينه أبداً لأول منزل
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى     ما الحب إلا للحبيب الأول

يقول جالينوس: يتروح العليل بنسيم أرضه، كما تتروح الأرض الجدبة ببل القطر

ويقول شاعر لاشعور له ولم يذق ذل الاغتراب عن ملاعب الصبا:

الفقر في أوطاننا غربة        والمال في الغربة أوطان
والأرض شيء كله واحد    ويخلف الجيران جيران

وينشد أخر :
لعمرك ما الغريب بعيد دار    عن الأهلين وهو جميل حال
ولكن الغريب قريب دار      من الأهلين وهو قليل مال

 وقال بعض الأعراب: إذا كنت في غير أهلك فلا تنس نصيبك من الذل .قلت :اى والله فالذل في وأهلي أهون من ذل الغربة وظلامها
وكان يقال: المغترب عن وطنه ومحل رضاعه كالعير الذي زايل أرضه وفقد سربه، فهو زاو لا يثمر وذابل لا ينضر
قلت :نعم فهانا لم أحسس بالغباء والتحامق إلا في الغربة ،فالغربة قربت نفسي من نفس الحمقى والسفهاء ولصقت بي من أوضار كلامهم وخبال معانيهم الكثير !

وحالة المغترب النفسية لم تفوت علي الأدباء والحكماء  فهذا تراثنا مليء بالكتب عن الحنين للوطن فهناك " حنين الإبل إلى الأوطان " لربيعة البصري، " حب الوطن " لعمرو بن بحر، لا الشوق إلى الأوطان" لأبي حاتم سهل بن محمد السجستاني، "حب الأوطان " لأبى الفضل بن أبي طاهر، " الحنين إلى الأوطان " لموسى بن عيسى الكسروي، " الحنين إلى الأوطان " لأبي الطيب محمد بن أحمد بن إسحق الوشاء، " الحنين إلى الأوطان " للحسن بن عبد الرحمن ابن خلاد الرامهزي، " أدب الغرباء " لأبي الفرج علي ابن الحسن الأصفهاني، " الحنين إلى الأوطان " لأبي حيان علي بن محمد بن العباس التوحيدي، " النزوع إلى الأوطان " لأبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور ابن السمعاني.
ولكن أفضل تلك الكتب هو الحنين للأوطان للجاحظ ، والمنازل والديار للأمير الحبيب إلي قلبي أسامة بن منقذ
يقول الشاعر :
إن الغريب له استكانة مذنب  وخضوع مديون وذل غريب
فإذا تكلم في المجالس مبرم   وإذا أصاب يقال غير مصيب
فإذا الغريب رأيته متحيراً     فارحم تحيره لفقد حبيب

وها أحمد زكي أبو شادي بعد أخراجه من مصر  يقول

بكى الربيع طروب في مباهجـه   وقد بكيت أنا حبـي وأوطانـي
أنا الغريب وروحي شاركت بدني  هذا العذاب بأشواقي وأحزانـي
لي في ثرى مصر دمع نائح ودم   أذيب من مهجتي اللهفى ونيراني
تركته مثل غرس الحب ما ذبلت   أزهاره أو أغـاثت روح لهفان
أشمها في اغترابي حين تلذعني   ذكرى الشباب وذكرى عمري الفاني

وهذا إيليا أبو ماضي يقول في وطنه عندما هجره

وطـن النجوم أنا هنـا  حـدق أتذكر من أنا ؟
أنـا ذلك الـولد الـذي   دنيـاه كـانت هـاهنا
أنا مـن مـياهك قطرة   فاضت جداول من سنا
كم عانقت روحي رباك   وصـفقت في المنحنى
ويقول اخر :
إذا ما ذكرت الثَّغر فاضت مدامعي وأضحى فؤادي نُهبةً للهماهمً
حنيناً إلى أرضْ بها اخضرَّ شاربي وحُلَّت بها عنًّي عقود التمائمً
وألطف قومْ بالفتى أهل أرضه وأرعاهم للمرء حقَّ التقادمً

ملاحظة: وحُلَّت بها عنًّي عقود التمائمً .. هذا البيت يناقد التوحيد واثبته لوحدة النص الشعري

يقول ابن الرومي :
وحبّبَ أوطان الرجــال اليـــهمُ           مآرب قضاها الشبـــــاب هنالكا
اذا  ذكروا أوطانهم ذكرتهـــــم           عهود الصـــبا فيها فحنوا لذالكا
فقد آلفته النفــــــــس حتى كأنه           لها جسد ان بان غودر هالكــــا

 ويعبر قيس بن الحداديه على أن الغربة تؤذي الأهل بجانب إلي اذاها للمغترب بقوله:

ولمـا تبـدت للرحيـل جمالنـا *** وجد بنا سير وفاضـت مدامـع
تبدت لنا مذعورة مـن خبائهـا *** وناظرها باللؤلؤ الرطـب دامـع
وقالت وعيناها تفيضـان عبـرة *** بأهلي بين لي متى أنت راجـع
فقلت لهـا بالله يـدري مسافـرٌ *** إذا أضمرته الأرض ما الله صانع
فشدت عل فيها اللثام وأعرضت *** وأقبل بالكحل السحيـق المدامـع
وإني لعهد الوصـل راعٍ وإننـي *** لوصلك مالم يطوني الموت طامع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق