الجمعة، 24 يناير 2020

كرمه صلى الله عليه وسلم

 قَالَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: " مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ، فَقَالَ: لَا " 

المسند 14294 / إسناده صحيح على شرط الشيخين ومسلم (2311)

- قوله: "لا" قال السندي: بيان لكمال جوده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي: لم يكن من دأبه أن لا يعطي ويمتنع عن الإعطاء، لما جُبِلَ عليه من كمال الكرم. نعم إن لم يوجد الشيء عنده يذكر للسائل حقيقة الحال أحيانا، ويذكر له أنه لو كان عندنا لأعطيناك.

ذكاء جابر في نشر فضائل النبي صلى الله عليه وسلم على مسامع يهود لعلهم يسلموا ولعلمه لحبهم للمال

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَاشْتَرَى مِنِّي بَعِيرًا، فَجَعَلَ لِي ظَهْرَهُ حَتَّى أَقْدَمَ الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا قَدِمْتُ أَتَيْتُهُ بِالْبَعِيرِ، فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ، وَأَمَرَ لِي بِالثَّمَنِ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ لَحِقَنِي، قَالَ: قُلْتُ: لَعَلَّهُ (2) قَدْ بَدَا لَهُ، قَالَ: فَلَمَّا أَتَيْتُهُ، دَفَعَ إِلَيَّ الْبَعِيرَ، وَقَالَ: " هُوَ لَكَ "، فَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَعْجَبُ، قَالَ: فَقَالَ: اشْتَرَى مِنْكَ الْبَعِيرَ، وَدَفَعَ إِلَيْكَ الثَّمَنَ، وَوَهَبَهُ لَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: " نَعَمْ " 
المسند 14251 إسناده صحيح على شرط مسلم،وأخرجه أبو يعلى (1965) و (2125) ، والطحاوي في "شرح المشكل" (4410) 

جمع بين حديثين الدخول ليلا او نهار لعلة استحداد المغيبة

المسند 14248 - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ، (1) عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَلَمَّا رَجَعْنَا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، فَقَالَ: " أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُلَ لَيْلًا - أَيْ عِشَاءً - لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ " (2)
 إسناده صحيح على شرط الشيخين
يقول محققو المسند : وقوله: "حتى ندخل ليلاً- أي عشاء-": هذا التفسير -يعني: عشاء- وقع في نفس الخبر، وفيه إشارة إلى أحد وجهي الجمع بين هذا الأمر بالدخول ليلاً، والنهي عن الطروق ليلاً الثابت في أحاديث أخرى: بأن المراد بالأمر الدخول في أول الليل، وبالنهي الدخول في أثنائه.
والوجه الثاني: أن يقال: إن الأمر بالدخول ليلاً لمن عُلِمَ خبرُ مجيئه
ووصوله. أَو أَعلَم أهله بذلك، فاستعدُّوا له، والنهي إنما هو لمن لم يفعل ذلك، بأن قَدِمَ بَغْتةً. انظر "الفتح " 9/122-123 و341-342.
قلنا: والراجح الوجه الثاني، إن شاء الله تعالى.

بيانُ فَضْلِ الإنفاقِ على البَناتُ

جاء في المسند (14247) عن جَابِرٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كُنَّ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ يُؤْوِيهِنَّ، وَيَرْحَمُهُنَّ، وَيَكْفُلُهُنَّ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ "، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ: فَإِنْ كَانَتْ اثْنَتَيْنِ؟ قَالَ: " وَإِنْ كَانَتْ اثْنَتَيْنِ "، قَالَ: فَرَأَى بَعْضُ الْقَوْمِ، أَنْ لَوْ قَالُوا لَهُ وَاحِدَةً، لَقَالَ: " وَاحِدَةً " 
صحيح،صححه محققو المسند وحسنه العلامة الألباني في الصحيحة 

-وفي هذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "ليس أحَدٌ من أُمَّتي يَعولُ ثلاثَ بناتٍ، أو ثَلاثَ أَخَواتٍ"، يعني: قام بحُقوقِهنَّ وأنْفَقَ عليهِنَّ وأدَّبَهنَّ بأدَبِ الإسْلامِ، مع تَعليمِهنَّ ما لا بدَّ مِنه مِن أُمورِ الدِّينِ، "فيُحْسِنُ إليهن"، أي: يَعولُهُنَّ، ومع ذلك يُحسِنُ إليهنَّ في الإقامَةِ بِهِنَّ بأنْ لا يَمُنَّ عليهنَّ، ولا يُظهِرَ الضَّجَرَ والمَلَلَ ونحْوَ ذلك، "إلَّا كُنَّ له سِتْرًا من النارِ"، أي: جعَلَهنَّ اللهُ وِقايةً له مِن عَذابِ النَّارِ يومَ القِيامَةِ؛ وذلك أنَّه سَتَرَهُنَّ في الدُّنيا عن الامتهانِ وذُلِّ السُّؤَالِ؛ فسَتَره الله في الآخِرَةِ عن عِقابِ النارِ جَزاءً من ربِّكَ عَطاءً حسابًا. قيل: والمرادُ بهذا أنَّ أجْرَ القِيامِ على البَناتِ أعْظَمُ من أَجْرِ القِيامِ على البَنينَ؛ إذْ لم يَذكُرْ مِثلَ ذلك في حَقِّهِم؛ وذلك -واللهُ أعلمُ- لأجْلِ أنَّ مُؤنةَ البَناتِ والاهتمامَ بأُمورِهِنَّ أعظمُ من أُمورِ البَنينَ؛ لأنَّهن عَوْراتٌ لا يُباشِرْنَ أُمورَهُنَّ، ولا يَتَصَرَّفْنَ تصرُّفَ البَنينَ، وكذلك لأنَّهن لا يَتعلَّقُ بهنَّ طَمَعُ الأبِ أو الأخِ بالاستِقواءِ بِهِنُّ على الأعداءِ، وإحياءِ اسمِ الآباءِ واتِّصالِ نَسَبِهِم وغيرِ ذلك كما يَتعلَّقُ بالذُّكورِ؛ فاحْتاجَ ذلك إلى الصَّبْرِ والإخْلاصِ مِنَ المُنْفِقِ عليهِنَّ مع حُسْنِ النِّيَّةِ، وهذا ما يُنْجيهِ من النارِ.

الخميس، 23 يناير 2020

التوسّع فيما لا حاجة فيه والإسراف في تأسيس المنزل من أثاث ونيش وفوط وغيره بلا حاجة فهو للشيطان

روى في المسند 
14124 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ، يَقُولُ: إِنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيَّ بَرَكَ بِهِ بَعِيرٌ قَدْ أَزْحَفَ بِهِ، فَمَرَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: " مَا لَكَ يَا جَابِرُ؟ "، فَأَخْبَرَهُ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَعِيرِ، ثُمَّ قَالَ: " ارْكَبْ يَا جَابِرُ "، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَا يَقُومُ، فَقَالَ لَهُ: " ارْكَبْ "، فَرَكِبَ جَابِرٌ الْبَعِيرَ، ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَعِيرَ بِرِجْلِهِ، فَوَثَبَ الْبَعِيرُ وَثْبَةً، لَوْلَا أَنَّ جَابِرًا تَعَلَّقَ بِالْبَعِيرِ لَسَقَطَ مِنْ فَوْقِهِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَابِرٍ: " تَقَدَّمْ يَا جَابِرُ الْآنَ عَلَى أَهْلِكَ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، تَجِدْهُمْ قَدْ يَسَّرُوا لَكَ كَذَا وَكَذَا " حَتَّى ذَكَرَ الْفُرُشَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ، وَفِرَاشٌ لِامْرَأَتِهِ، وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ، وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ " (1)
قال العلامة شعيب ومحققوا المسند : إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح
ورواه مسلم 2084 : عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ، وَفِرَاشٌ لِامْرَأَتِهِ، وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ، وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ» 

- وقوله: "أزْحَف به" أي: أعْيا وكَل، فقام ووقف بجابر.
وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فراش للرجل ... " قال السندي: أي: لا ينبغي للإنسان أن يتخِذَ من الفرش فوق ثلاث، وهذا إذا لم يكن له ولد أو خادم، ولا تنبغي الزيادة على قدر الحاجة.
وقوله: "للشيطان"، أي: للافتخار والإسراف الذي هو مما يحمل عليه الشيطان، ويرضى به، فكأنه له أو هو من عمل الشيطان، والله أعلم.

الخميس، 16 يناير 2020

فرحة أهل مصر بفتح القسطنطنية

م في يوم السبت ثالث عشرين شوال ورد إلى الدّيار المصرية قاصد خوندكار محمد بك ابن مرادبك بن عثمان، متملّك «2» بلاد الرّوم «3» ، لتهنئة السلطان بالملك، وأيضا يخبره بما منّ الله عليه من فتح مدينة إسطنبول، وقد أخذها «4» عنوة بعد قتال عظيم في يوم الثلاثاء العشرين من جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثمانمائة، بعد ما أقاموا على حصارها من يوم الجمعة سادس عشرين شهر ربيع الأوّل من هذه السنة- أعنى سنة سبع وخمسين المذكورة- إلى أن أخذها في التاريخ المقدم ذكره.
قلت: ولله الحمد والمنة على هذا الفتح العظيم.
وجاء القاصد المذكور ومعه أسيران من عظماء إسطنبول، وطلع بهما إلى السلطان وهما من أهل قسطنطينية، وهى الكنيسة العظمى بإسطنبول، فسرّ السلطان والناس قاطبة بهذا الفتح العظيم سرورا زائدا، ودقّت البشائر لذلك، وزيّنت القاهرة بسبب ذلك أياما، ثم طلع القاصد المذكور وبين يديه الأسيران المذكوران إلى القلعة في يوم الاثنين خامس عشرين شوال، بعد أن اجتاز القاصد المذكور ورفقته بشوارع القاهرة، وقد احتفلت الناس بزينة الحوانيت والأماكن، وأمعنوا في ذلك إلى الغاية، وعمل السلطان الخدمة بالحوش السلطانى من قلعة الجبل، وقد استوعبنا طلوع القاصد المذكور فى غير هذا المحل من مصنفاتنا بأطول من هذا.
وبالجملة فكان لمجىء هذا القاصد بهذه البشارة الحسنة أمير كبير، وعيّن السلطان من يومه الأمير يرشباى الإينالى المؤيّدى الأمير آخور الثانى- كان- بالتوجّه إلى ابن عثمان صحبة القاصد بالجواب السلطانى، وقد كتبنا صورة الكتاب الذي جاء من ابن عثمان على يد القاصد المذكور بفتح مدينة إسطنبول، والجواب الذي أرسله السلطان صحبة يرشباى هذا، كلاهما مثبوت في تاريخنا حوادث الدهور، إذ هو محل ضبط هذه الأمور- انتهى.

- كتاب النجوم الزاهرة ص 70 - 71 

رسالة الفاتح الي سلطان مصر بالبشرة



    سالة السلطان محمد الفاتح إلى أخيه سلطان مصر الأشرف إينال يُبيِّن فيها فَتْحَ القسطنطينية عام 857هـ، وهي من إنشاء الشيخ أحمد الكوراني:
    "... إن من أحسن سُنَنِ أسلافنا -رحمهم الله تعالى- أنهم مجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون لومة لائم، ونحن على تلك السُّنَّة قائمون، وعلى تيك الأُمْنِيَة ممتثِّلون قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ[التوبة: 29]، ومُسْتَمْسِكِين بقوله r: "مَنِ اغْبَرَّتْ[2] قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ"[3]. فَهَمَمْنَا في هذا العام -عمَّمه الله بالبركة والإنعام- معتصمين بحبل الله ذي الجلال والإكرام، ومستمسكين بفضل الله العلام إلى أداء فرض الغزاء في الإسلام، مؤتمرين بأمره تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ[التوبة: 123]. وجهَّزْنَا عساكر الغُزَاة والمجاهدين من البَرِّ والبحر لِفَتْحِ مدينة مُلِئَتْ فجورًا وكُفْرًا، التي بقيت وسط الممالك الإسلاميَّة تُبَاهِي بكُفْرِها فخرًا.
    فكأنها حَصَف[4] على الخَدِّ الأغرّ *** وكأنها كَلَف[5] على وجه القمر[6]
    ... هذه المدينة الواقع جانب منها في البحر، وجانب منها في البرِّ، فأَعْدَدْنَا لها كما أمرنا الله بقوله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ[الأنفال: 60]، كلَّ أُهْبَة يُعْتَدُّ بها، وجميعَ أسلحة يُعتمد عليها من البرق والرعد والمنجنيق والنقب والحجور، وغيرها من جانب البرِّ، والفلك المشحون، و{الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ[الرحمن: 24] من جانب البحر، ونزلنا عليها في السادس والعشرين من ربيع الأوَّل من شهور سنة سبع وخمسين وثمانمائة.
    فقُلْتُ للنفس جدِّي الآنَ فاجتهدي *** وساعديني فهذا ما تمنَّيْتُ[7]
    فكُلَّمَا دُعُوا إلى الحقِّ أصرُّوا واستكبروا وكانوا من الكافرين، فأحطنا بها محاصَرَة، وحارَبْنَاهم وحاربونا، وقاتلْنَاهم وقاتلونا، وجرى بيننا وبينهم القتال أربعة وخمسين يومًا وليلة.
    إذا جاء نصر الله والفتح هيِّن *** على المرءِ معسور الأمور وصعبها[8]
    فمتى طلع الصباح الصادق من يوم الثلاثاء العشرين من جمادى الأولى هَجَمْنَا مثل النجوم رجومًا لجنود الشياطين، سخَّرَهَا الحكمُ الصدِّيقيُّ ببركة العَدْل الفاروقيِّ بالضرب الحيدري لآل عثمان، وقد مَنَّ الله بالفتح قبل أن تظهر الشمس من مشرقها، {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهي وَأَمَرُّ[القمر: 45، 46]، وأوَّل مَنْ قُتل وقُطِعَ رأسه تكفورهم اللعين الكنود، فأُهلكوا كقوم عاد وثمود، فأخذتهم ملائكة العذاب، فأوردهم النار وبئس المآب، فقُتِل مَنْ قُتل وأُسِرَ من به بَقِيَ، وأغاروا على خزاينهم، وأخرجوا كنوزهم ودفائينهم موفورًا، فأتى عليهم حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا، وقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فيومئذ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ، فلما ظهرنا على هؤلاء الأرجاس[9] الأنجاس[10]، طهَّرْنَا القوس من القسوس، وأخْرَجْنَا منه الصليب والناقوس، وصيَّرْنَا مَعَابِدَ عَبَدَة الأصنام مساجِدَ أهل الإسلام، وتشرَّفَتْ تلك الخُطَّة بشرف السكة والخطبة، فوقع أمر الله وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"[11].
    [4] الحَصَفُ: بَثْرٌ صِغار يقِيحُ ولا يَعْظُم. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة حصف 9/48.
    [5] الكَلَف: نَمَشٌ يعلو الوجه كالسِّمسم، وحُمْرة كَدِرة تعلو الوجه. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة كلف 9/307.

رسالة السلطان محمد الفاتح إلى أخيه سلطان مصر الأشرف إينال يُبيِّن فيها فَتْحَ القسطنطينية عام 857هـ، وهي من إنشاء الشيخ أحمد الكوراني


يما يلي نص رسالة السُلطان مُحمَّد الفاتح، سابع سلاطين الدولة العُثمانيَّة، إلى سُلطان مصر والشَّام المملوكي، الملك الأشرف سيف الدين إينال العلائي، المُرسلة لتبشيره والخليفة العبَّاسي المُقيم بالقاهرة بفتح القُسطنطينيَّة؛ وهي من إنشاء المُلَّا أحمد بن إسماعيل الگوراني:
بسم الله الرحمن الرحيم
مُتيمنًا بذكرهِ القديم: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ يحمدُ الله ويُثني عليه عبدهُ المُستبشر بالمُبشرات المُتواترة اللاتي يُنبئن عن استقرار القدم المقدام على سرير السلطنة السامية الباهرة بالدولة العليَّة القاهرة، ألا وهو السُلطان الوالي العالي العالمي المؤيدي المُظفري الظهيري الهمَّامي العوني الغوثي الغيَّاثي الإمامي النظامي الذي أشرقت من أُفق التوفيق شمسُ سلطنته وخفقت راية الإقبال من هُبوب نسيم خِلافته تتطأطأ أعناقُ الجبابرة نحو سُدَّته السُنيَّة ويتكأكأ أقيال الأكاسرة على عتبته العليَّة وبه أضحت عُقودُ حُكمه مُنتظمة وأمور السلطنة مُلتئمة ويتفاخر بوصفه المآثر ويختال بذكره المفاخر، أعني الملكي الألطفي السُلطان الأشرف الأبوي الأعطفي، ضاعف الله تبارك وتعالى مُلكه وسُلطانه وأفاض على العالمين برِّه وإحسانه ولا برح في دولتةٍ لا تنهدمُ دارُها، ونعمةٌ لا تنفصمُ آثارها وسعادةٌ لا تصفرُّ أوراقها وسيادةٌ لا تتغيَّرُ آفاقها، وما انفكَّ بُنودُ الدين بباهر صولته مرفوعة، وأسنَّة الحوادث في نحو أعدائه مكسورة، وجماجم حُسَّاده على رؤوس الأسنَّة منصوبة وتحت الأقدام مخفوضة، ونقول لمَّا تتابعت عندنا الأخبار التي تشتملُ على صعود شمس السلطنة على أوج سرير الخلافة أدامهُ الله وأعلاه وبارك فيه وأبقاه ببركة نبيِّهِ المُجتبى ورسولهِ المُصطفى عليه وعلى من صلة الصلوات أزكاها: مُلئنا بهجةً وسُرورًا وغبطةً وحُبورًا، وأنشدنا بلسان صدقٍ شعرًا:
هنيئـــًا لمصر أنت صرتِ عزيزةبلوغُ الأماني وابتغاء المحامدِ
وتعتدل الأيـــــَّامُ فيها ويُقتنىصُنوف البرايا منه طرف الفوائدِ
فمذ ظهرت فيه عـلايمُ بأسكمقد التطمت منها رسومُ المفاسدِ
هذا وأنَّ الولاء والمُواصلة من تكفَّل بمؤنه إحياء نُسك الحج للعباد والعباد وبين من تحمَّل بمشاق تجهيز أهل الغزو والجهاد كما هو المتوارث من الآباء والأجداد أنعمهم الله بنعمة الموعود في المعاد، فالقلبُ مُصممٌ على تأييد تلك القديمة بسلوك طرايق تنسى لطائف أخريها بطيب نعيمها لذايذ أوليها، فبهذا الحبل المتين نحنُ ماسكون وعلى هذا الصراط المُستقيم المُستبين سالكون فشددنا وثاق صدق ذلك المقر العالي أعلاه الله وأسماه وفتحنا أبواب المُراسلة وقدمنا أسباب المُواصلة وأهدينا طرايف التسليمات السليمات عن شوايب الرياء والرعونات وأتحفنا لطايف التحيَّات المنورات بنور الإخلاص المُجلَّاة بالولاء والاختصاص المُزهرات بصدق الطوية رياضها المُترعات من زلال المحبة حياضُها، ورفعنا الأدعية الصالحة المُستجابة والأثنية الفايحة المُستطابة و الأشواق البالغة ذُروة ولأتوق المتوالية بالغدر والآصال وانهينا إلى العلم الكريم محفوفا بما يسرة الله تبارك وتعالى من المطالب البهيَّة والمآرب السُنيَّة، إن من أحسن سُنن أسلافنا - رحمهم الله - أنهم مُجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ونحنُ على تلك السُنَّة قائمون وعلى تلك الأُمنية دائمون ممتثلين بقوله تبارك وتعالى: ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ مُستمسكين بقوله عليه السلام«مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ». فهممنا هذا العام عمَّمهُ الله بالبركة والإنعام مُعتصمين بحبل ذي الجلال والإكرام ومُستمسكين بفضل الملك العلَّام، إلى أداء فرض العزاء في الإسلام مؤتمرين بأمره عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّار﴾ وجهَّزنا عساكر الغُزاة والمُجاهدين من البرِّ والبحر، لفتح مدينة مُلئت فُجورًا وكُفرًا. والتي بقيت وسط الممالك الإسلاميَّة تُباهي بكُفرها فخرًا:
فكأنَّها حصفٌ على الخدَّ الأغرِّوكأنَّها كلفٌ على وجهِ القمرِ
وهي مُحصَّنةٌ صعب المرام شامخة الأركان راسخة البُنيان مملوءة من المُشركين الشُجعان خذ لهم أينما كا نوا وهم مُستكبرون على أهل الشُرك والطُغيان، وحصنٌ مُحصَّنٌ مُسددٌ مُشددٌ مُشيَّدٌ مُنسَّقُ النظام ما ظفر به أسلافُنا العظام هؤلاء السلاطين الأساطين الفخام مع أنهم جاهدوا حقَّ الجهاد ولم ينالوا بها نيلًا، وهي قلعةٌ عظيمةٌ مُشتهرةٌ في ألسنة الأرض بإسم القُسطنطينيَّة ولا يبعدُ من أن تكون هي التي نطق بها صحاح الأحاديث النبويَّة والأخبار المصطفويَّة عليه وعلى آله أتمَّ الصلاة والتحيَّة. فيفتحون قُسطنطينيَّة فبينما هم يقتسمون الغنايم قد علقوا سيوفهم بالزيتون... الحديث؛ وغير هذا من الصِّحاح المشهورة هي هذة المدينة الواقع جانب منها فى البحر وجانب منها فى البر فأعددنا لها كما أمرنا الله بقولة: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ كُلُّ أهبةٍ يعتدُّ بها وجميعُ أسلحةٍ يُعتمد من البرق والرعد والمنجنيق والنقب والجحور وغيرها من جانب البر والفُلك المشحون والجوار المُنشآت فى البحر كالأعلام من جانب البحر، ونزلنا عليها في السَّادس والعشرين من ربيع الأول من شهور سنة سبع وخمسين وثمانمائة.
فقلتُ للنقسِ جدّي الآن فاجتهديوساعديني فهذا ما تمنيتِ
فكُلَّما دعوا إلى الحق أصرَّوا واستكبروا وكانوا من الكافرين فأحطنا بها مُحاصرةً وحاربناهم وحاربونا وقاتلناهم وقاتلونا وجرى بيننا وبينهم القتال أربعة وخمسين يومًا وليلة.
إذا جاء نصرُ الله والفتحُ هيِّنعلى المرءُ معسورُ الأمور وصعبها

الثلاثاء، 7 يناير 2020

الكواكبي : طبائع الاستبداد  ص 185 
العوام لا يثور غضبهم على المستبدِّ غالباً إلا عقب أحوال مخصوصة مهيِّجة فورية، منها:
1 - عقب مشهد دموي مؤلم يوقعه المستبدُّ على المظلوم يريد الانتقام لناموسه.
2 - عقب حرب يخرج منها المستبدُّ مغلوباً، ولا يتمكَّن من إلصاق عار التغلُّب بخيانة القوّاد.
3 - عقب تظاهر المستبدِّ بإهانة الدّين إهانةً مصحوبةً باستهزاء يستلزم حدَّة العوام.
4 - عقب تضييق شديد عام مقاضاةً لمالٍ كثير لا يتيسَّر إعطاؤه حتّى علىأواسط الناس.
5 - في حالة مجاعة أو مصيبة عامّة لا يرى الناس فيها مواساةً ظاهرة من المستبدّ.
6 - عقب عمل للمستبدِّ يستفزُّ الغضب الفوري، كتعرُّضه لناموس العرض، أو حرمة الجنائز في الشرق، وتحقيره القانون أو الشرف الموروث في الغرب.
7 - عقب حادث تضييق يوجب تظاهر قسم كبير من النساء في الاستجارة والاستنصار.
8 - عقب ظهور موالاة شديدة من المستبدِّ لمن تعتبره الأمَّة عدوّاً لشرفها.
إلى غير ذلك من الأمور المماثلة لهذه الأحوال التي عندها يموج الناس في الشوارع والساحات، وتملأ أصواتهم الفضاء، وترتفع فتبلغ عنان السماء، ينادون: الحقّ الحقّ، الانتصار للحقّ، الموت أو بلوغ الحقّ.
المستبدُّ مهما كان غبياً لا تخفى عليه تلك المزالق، ومهما كان عتياً لا يغفل عن اتِّقائها، كما أنَّ هذه الأمور يعرفها أعوانه ووزراؤه.
فإذا وُجِد منهم بعض يريدون له التهلكة يهوِّرونه على الوقوع في إحداها، ويُلصقونها به خلافاً لعادتهم في إبعادها عنه بالتمويه على الناس. إنَّ رئيس وزراء المستبدِّ أو رئيس قُوَّاده، أو رئيس الدِّين عنده، هم أقدر الناس على الإيقاع به، وهو يداريهم تحذُّراً من ذلك، وإذا أراد إسقاط أحدهم فلا يوقعه إلا بغتة.

الكواكبي من طبائع الاستبداد

الغربي: ماديُّ الحياة، قويُّ النفس، شديد المعاملة، حريصٌ على الانتقام، كأنَّه لم يبقَ عنده شيء من المبادئ العالية والعواطف الشريفة التي نقلتها له مسيحية الشرق. فالجرماني مثلاً: جاف الطبع، يرى أنَّ العضو الضعيف من البشر يستحق الموت، ويرى كلَّ فضيلة في القوة، وكلَّ القوة في المال، فهو يحبُّ العلم، ولكن، لأجل المال؛ ويحبُّ المجد، ولكن لأجل المال. وهذا اللاتيني مطبوع على العجب والطيش، يرى العقل في الإطلاق، والحياة في خلع الحياء، والشّرف في التّرف، والكياسة في الكسب، والعزّ في الغلبة، واللذَّة في المائدة والفراش.
أما أهل الشرق فهم أدبيون، ويغلب عليهم ضعف القلب وسلطان الحبِّ، والإصغاء للوجدان، والميل للرّحمة ولو في غير موقعها، واللُّطف ولو مع الخصم. ويرون العزَّ في الفتوة والمروءة، والغنى في القناعة والفضيلة، والراحة في الأنس والسّكينة، واللذة في الكرم والتحبب، وهم يغضبون، ولكن؛ للدين فقط، ويغارون، ولكن؛لى العِرْض فقط.
ليس من شأن الشرقي أن يسير مع الغربي في طريقٍ واحدة، فلا تطاوعه طباعه على استباحة ما يستحسنه الغربي، وإن تكلَّف تقليده في أمر فلا يُحسن التقليد، وإن أحسنه فلا يثبت، وإن ثبت فلا يعرف استثماره، حتى لو سقطت الثمرة في كفِّه تمنّى لو قفزت على فمه! .. فالشرقي مثلاً يهتمُّ في شأن ظالمه إلى أن يزول عنه ظلمه، ثمَّ لا يفكر فيمن يخلفه ولا يراقبه، فيقع في الظلم ثانيةً، فيعيد الكرّة ويعود الظلم إلى ما لا نهاية. وكأولئك الباطنة في الإسلام: فتكوا بمئات أمراء على غير طائل، كأنَّهم لم يسمعوا بالحكمة النبوية: "لا يُلدَغ المرء من جُحرٍ مرتين"، ولا بالحكمة القرآنية" {إنَّ الله يحبُّ المتَّقين}. أما الغربي إذا أخذ على يد ظالمه فلا يفلته حتى يشلَّها، بل حتى يقطعها ويكوي مقطعها.
وهكذا بين الشرقيين والغربيين فروقٍ كثيرة، قد يفضل في الإفراديات الشرقي على الغربي، وفي الاجتماعيات يفضل الغربي على الشرقي مطلقاً. مثال ذلك: الغربيون يستحلفون أميرهم على الصداقة في خدمته لهم والتزام القانون. والسلطان الشرقي يستحلف الرعية على الانقياد والطاعة! الغربيون يَمنّون على ملوكهم بما يرتزقون من فضلاتهم، والأمراء الشرقيون يتكرَّمون على من شاؤوا بإجراء أموالهم عليهم صدقات! الغربي يعتبر نفسه مالكاً لجزءٍ مشاع من وطنه، والشرقيّ يعتبر نفسه وأولاده وما في يديه ملكاً لأميره! الغربي له على أميره حقوق، وليس عليه حقوق؛ والشرقي عليه لأميره حقوق وليس له حقوق! الغربيون يضعون قانوناً لأميرهم يسري عليه، والشرقيون يسيرون على قانون مشيئة أمرائهم! الغربيون قضاؤهم وقدرهم من الله؛ والشرقيون قضاؤهم وقدرهم ما يصدر من بين شفتي المستعبدين! الشرقي سريع التصديق، والغربي ينفي ولا يثبت حتى يرى ويلمس. الشرقي أكثر ما يغار على الفروج كأنَّ شرفه كلّه مستودَعٌ فيها، والغربي أكثر ما يغار على حريته واستقلاله! الشرقي حريصٌ على الدين والرياء فيه، والغربي حريصٌ على القوة والعزّ والمزيد فيهما! والخلاصة: أنَّ الشرقي ابن الماضي والخيال، والغربي ابن المستقبل والجد! ...


- كتاب طبائع الاستبداد ص 108 الخ