الخميس، 16 يونيو 2011

تأبط شراً


تأبط شراً هو ثابت بن جابر الفهمي[1] (توفي نحو 530 م), أحد شعراء الجاهلية الصعاليك الذين عاشوا في بادية الحجاز بديار قبيلة ( بني فهم ) ، أحد الشعراء الصعاليك المشهورين ،لقب بتأبط شرا لأنه كان كلما خرج للغزو وضع سيفه تحت أبطه فقالت أمه مرة: تأبط شرا، فلقب بهذا اللقب ، وهذا الشاعر له صورة مثيرة وغريبة ونسجت حوله كثيرا من الأساطير في التاريخ الجاهلي، و مما روته كتب التاريخ عنه , انه خارق القوة، فان اتكأ على بعير أسقطه , أو استوى على ظهر فرس أجهضها , وهو أسرع من الجياد الجامحة , ويسبق الظبي في عدوه , وان رمى رمحه , فانه كريح الشتاء .
وله ديوان شعر مشهور جدا ولكن هناك قصيدة توقف عندها كل الباحثين في الأدب والشعر بين مثبت لكونها له وبين نافي لذلك ، وفي حد زعمي انها من أجمل قصائد العربية  وتلك القصيدة ترجمت من زمن بعيدا إلى الانكليزية والألمانية عن طريق الشاعر الألماني جوته المتوفى سنة1832 م ، وعندما وجد الأستاذ يحي حقي ترجمتها للألمانية قال: (إن ترجمتها للغات الأجنبية أضاف إليها شيئاً من الجمال)
وهذا ما أعترض عليه بشدة لان القصيدة لها بريق أدبي وتأريخي قبل ان يولد جوته نفسه والعجيب أنني منذ شهرين وقعت على كنز غير مشهور لعلامة اللغة والأدب محمود محمد شاكر رحمه الله في كتاب يسمي (نمط صعب ونمط مخيف )مطبوع سنة1967 بيَن فيها عن طريق هذه القصيدة  مدى تبعيتنا للغرب حتي أصبح الغرب هو من يحكم علي أدبنا العربي ! مع أن الغرب بمستشرقيه يكادون لا يفقهون كثيرا من دقائق اللغة .
وتلك القصيدة اخُتلف في كونها لتأبط شراً  أو لابن أخته لخفاف بن نضلة ابن أخت تأبط ولكن هذا الاختلاف لا يضر من جمال القصيدة وروعتها
وهي قصيدة (إنَّ بالشعـب الـذي دون سـلْـعٍ)
وتحكي تلك القصيدة عن مقتل خال تأبط شراً بوادي بجانب جبل سلع وهي بلسان خال تأبط مرة ثم تحكي بلسان تأبط مرة أخري ، وتسرد القصة من المقتل إلي أخذ الثأر علي يد تأبط من قبيلة هذيل،وهذا القصيدة قيلت بعد أدراك الثأر من هذيل،وكيف أن تأبط حرم علي نفسه الخمر حتى يأخذ بثأر خاله الشنفري.
وتلكم القصيدة بها مفردات صعبة سأحاول تبسيطها علي قدر إمكاناتي ، ولكن لتلك القصيدة وقع علي النفس بمجرد القراءة حتى بدون فهم لمعاني الكلمات

إنَّ بالشعب الذي دون سلْـعٍ = لقتيـلاً دمـه مـا يـطـلُّ

خَلَّفَ العبء علـيَّ وولّـى = أنـا بالعـبء لـه مستقـلُّ

ووراء الثأر منّي ابن أخـتٍ = مصـعٌ عقدتـه مـا تحـلُّ

مطرقٌ يرشح موتاً كمـا = أطرق أفعى ينفث السَمَّ صَـلُّ

خبَـرٌ مـا نابنـا مصمئـلُّ = جلَّ حتى دقَّ فيـه الأجـلُّ

بزَّني الدهر وكان غشومـاً = بأبـيٍّ جـارُهُ مـا يُــذَلُّ

شامسٌ في القُرِّ حتى إذا ما = ذكت الشِّعْْرى فبـردٌ وظـلٌّ

يابس الجنبين من غير بؤسٍ = وندى الكفيـن شهـمٌ مُـدِلُّ

ظاعنٌ بالحزم حتى إذا مـا = حلَّ حلَّ الحزْمُ حيث يحـلُّ

غيث مزنٍ غامرٌ حيث يجدي = و إذا يسطـو فليـثٌ أبَـلٌّ

مسبلٌ في الحيِّ أحوى رِفَلُّ = و إذا يعـدو فسِـمْـعٌ أزلٌّ

و له طعمان أريٌ و شـريٌ = و كلا الطعمين قد ذاق كـلٌّ

يركب الهـول وحيـداً ولا = يصحبُهُ إلا اليمانـيِّ الأفـلُّ

وفتوٍّ هجَّـروا ثـم أسـرَوا = ليلَهم حتى إذا انجابَ , علّوا

كلُّ ماضٍ قد تردَّى بمـاضٍ = كسنا البـرق إذا مـا يُسَـلُّ

فادَّركنا الثـأر منهـم ولمَّـا = ينْـجُ مِلْحييـن إلا الأقــلُّ

فاحتسوا أنفاس نـومٍ فلمَّـا = هوَّموا , رعتهمُ, فاشمعلَّـوا

فلئـن فلَّـت هذيـلٌ شَبَـاهُ = لبمـا كـان هذيـلاً يَـفُـلُّ

وبمـا أبركهـا فـي مـنـاخٍ = جعجعٍ ينقَبُ فيـه الأظَـلُّ

وبما صبَّحهـا فـي ذُراهـا = منه بعد القتْلِ نهْـبٌ وشَـلُّ

صليت منّي هذيـلٌ بِخِـرْقٍ = لا يملُّ الشرَّى حتى يملَّـوا

ينهل الصَّعْدَة حتـى إذا مـا = نَهِلَتْ , كان لها منـه عـلُّ

حلَّت الخَمْرُ وكانت حرامـاً = وبلأْيٍ مّـا ألمَّـت تَحِـلُّ؟

أسقينها يا سَوَادَ بـن عمـروٍ = إنَّ جسمي بعد خالي لخَـلُّ!

تضحك الضَّبْعُ لقتلى هذيـلٍ = وترى الذئبَ لهـا يستهـلُّ

وسباع الطير تهفـو بطانـا = ً, تتخطاهُمُ , فما تستقـلُّ!!

ونقسم القصيدة إلي عدة مراحل لكي نفهمها :

1- أول أربعة أبيات ذكر فيها الشاعر قتيلاً دمه ليس يهدر وهو خاله وانه مستعد لذلك الثأر مطيقاً له .
2- ثم تسعة أبيات بيَن فيها مدى وقع الخبر علي أهله حين جاءهم نعي خاله وكيف أنهم فقدو رجل ليس لديه نظير ثم نعت أخلاق خاله نعتاً دقيقا في جميع أحواله
3- ثم يأتي بأربعة أبيات يصف فيها نفسه وفتيان معه وكيف كان مسيرهم ألي حيث  أدرك ثأر خاله.
4- ثلاثة أبيات عقب بهم علي ما أدرك من الثأر وكيف انه أكثر النكاية في هذيل وأذلهم وأقض مضاجعهم ونال منهم
5- ثم بيتان أعلن فيهم انه حرم الخمر علي نفسه لحين أخذ الثأر ثم شربها بعد التشفي وكيف أن جسمه خالي من الخمر بعد خاله

6- والبيتان الأخيرين  يسخر فيهم من قتلا هذيل وكيف تركهم  طعم غنيمة للنسو

بعض المعاني للتبسط :

لقتيـلاً دمـه مـا يـطـلُّ : أي انه أغلي من أن يذهب هدراً

خَلَّفَ العبء علـيَّ وولّـى : اي ترك عبء الثأر عليه وذهب بدون رجعة .

أنـا بالعـبء لـه مستقـلُّ : اى قادر علي ذلك العبء دون غيري من أخوالي .

مطرقٌ يرشح موتاً  :  يوصف نفسه كأن عرقه يخرج منه السم او الموت وكأنه أفعى يبخ السم والموت ، صَـلُّ : نوع من أنواع الأفاعي

خبَـرٌ مـا نابنـا مصمئـلُّ = جلَّ حتى دقَّ فيـه الأجـلُّ :  اي ان ذلك الخبر صغر كل خبر كبير بعده أو قبله فهو أجل خبر يصل إليهم

بزَّني الدهر وكان غشومـاً = بأبـيٍّ جـارُهُ مـا يُــذَلُّ : أي أن الدهر(كل شيء بقدر الله) سلب منه خاله ، وكان غشوما يقصد الدهر أي انه غاصب ظالم وهذا قيل من مشرك وهو ضد تعاليم ديننا الحنيف ، جاره ما يذل دليل علي رفعة جوار خاله .

شامسٌ في القُرِّ حتى إذا ما = ذكت الشعري فبـردٌ وظـلٌّ : أي أنه ساخن في أيام البرودة ولاتهمه حرارة الشمس أو برودة الشتاء

يابس الجنبين من غير بؤسٍ = وندى الكفيـن شهـمٌ مُـدِلُّ : يابس الجبين من غير بؤس أي أنه نحيف مع أنه غني وهذا يمدح في الرجال ، والشهم من الرجال هو القوي صبور علي المهاول جلد متوقد النفس ، مُدل أي الذي ينقض علي فريسته مثل البازى

مسبلٌ في الحيِّ أحوى رِفَلُّ = و إذا يعـدو فسِـمْـعٌ أزلٌّ : مسبل اي مسبل إزاره وهذا قبل الإسلام كان من صفات الغني والرفاهية والنعمة ،  أحوي نوع من أنوع الفرس رائع المنظر أقوي الخيول في العدو ، رفل هو الفرس الذي يتبختر في مشيته

الأزل هو الذئب خفيف الوركين  السريع الذي لا عجيزة له

و له طعمان أريٌ و شـريٌ : الاري العسل ، الشري الحنظل  أي انه مع محبيه عسل ومع مبغضيه حنظل

يركب الهـول وحيـداً ولا = يصحبُهُ إلا اليمانـيِّ الأفـلُّ :اليماني الأفل هو سيف من صناعة أهل اليمن ويصفه انه به فلول من كثرة القتال 
المراجع : ديوان تأبط شراً ، نمط صعب ونمط مخيف للعلامة محمود شاكر ، تأبط شراً بين الحقيقة والخيال 

وممن شغفت نفسُه بهذه القصيدة شاعر ألمانيا العظيم “غوته”، حيث ترجمها -عن اللاتينية والألمانية- بعد دراسته لها عام ١٨١٨م، ثم أوردها في كتابه “الديوان الشرقي للشاعر الغربي” وقام ببعض “الترتيب” لأبياتها، كما أعقبها بتعليق مختصر، كان من نتائجه البعيدة ظهور كتاب “نمطٌ صعب، ونمطٌ مخيف”!
وأخيرًا، فهذه القصيدة كما أثبت أبو فهر، هي قصيدة عربية جاهلية، لابن أخت الشاعر تأبط شرًا واسمه خُفاف بن نَضلَة، قالها بعد أن ثأرَ من قبيلة “هُذَيل” التي قتلت خالَه تأبط شرًا، والقصيدة بالفعل تنتمي لنمطٍ عصيٍ على التصنيف، فليست هي بقصيدة المدح المطلَقة، ولا الرثائية المُبكية، ولا الهجائية القادِحة، إنما هي شيءٌ يجمع كل هذا ويزيدُ عليه.

هناك تعليقان (2):

  1. شكرا جزيلا للمجهود المفيد. يجب علينا ان نكون عارفين بثقافتنا وتاريخنا. ّل من المككن ان تقول لي اين اجد معاني باقي الابيات علر الانترنيت؟ شكرا

    ردحذف
    الردود
    1. الشكر لله أخي راجع ديوان تأبط او نمط صعب للعلامة محمود شاكر

      حذف