الاثنين، 23 أبريل 2012

وزير عاقل


في سنة 315هـ  كان قدوم علي بن عيسى بن الوزير من دمشق وقد تلقاه الناس إلى أثناء الطريق فمنهم من لقيه إلى الأنبار ومنهم دون ذلك وحين دخل إلى الخليفة خاطبه الخليفة فأحسن مخاطبته ثم انصرف إلى منزله فبعث الخليفة وراءه بالفرش والقماش وعشرين ألف دينار واستدعاه من الغد فخلع عليه فأنشد وهو في الخلعة :
ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها * فكيف ما انقلبت به انقلبوا
يعظمون أخا الدنيا فإن وثبت * يوما عليه بمالا يشتهي وثبوا

البداية والنهاية ج11 

الأحد، 22 أبريل 2012

حب الحكم والرياسة قد يفسد الأرحام

يقول ابن كثير في البداية والنهاية ج12 في أحداث سنة 432 هـ
 فيها عظم شأن السلجوقية وارتفع شان ملكهم طغرلبك وأخيه داود وهما أبنا ميكائيل بن سلجوق بن بغاق وقد كان جدهم بغلق هذا من مشايخ الترك القدماء الذي لهم رأي ومكيدة ومكانة عند ملكهم الأعظم ونشأ ولده سلجوق نجيبا شهما فقدمه الملك ولقبه شباسي فأطاعته الجيوش وانقاد له الناس بحيث تخوف منه الملك وأراد قتله فهرب منه إلى بلاد المسلمين فأسلم فازداد عزا وعلوا ثم توفي عن مائة وسبع سنين وخلف أرسلان وميكائيل وموسى فأما مكائيل فإنه اعتنى بقتال الكفار من الأتراك حتى قتل شهيدا وخلف ولديه طغرلبك محمد وجعفر بك داود فعظم شانهما في بني عمهما واجتمع عليهما الترك من المؤمنين وهم ترك الإيمان الذي يقول لهم الناس تركمان وهم السلاجقة بنو سلجوق جدهم هذا فأخذوا بلاد خراسان بكمالها بعد موت محمود بن سبكتكين وقد كان يتخوف منهم محمود بعض التخوف فلما مات وقام ولده مسعود بعده قاتلهم وقاتلوه مرارا فكانوا يهزمونه في أكثر المواقف واستكمل لهم ملك خراسان بأسرها ثم قصدهم مسعود في جنود يضيق بهم الفضاء فكسروه وكبسه مرة داود فانهزم مسعود فاستحوذ على حواصله وخيامه وجلس على سريره وفرق الغنائم على جيشه ومكث جيشه على خيولهم لا ينزلون عنها ثلاثة أيام خوفا من دهمة العدو وبمثل هذا تم لهم ما راموه وكمل لهم جميع ما أملوه ثم كان من سعادتهم أن الملك مسعود توجه نحو بلاد الهند لسبي بها وترك مع ولده مودود جيشا كثيفا بسبب قتال السلاجقة فلما عبر الجسر الذي على سيحون نهبت جنوده حواصله واجتمعوا على أخيه محمد بن محمود وخلعوا مسعودا فرجع إليهم مسعود فقاتلهم فهزموه وأسروه فقال له أخوه والله لست بقاتلك على شر صنيعك إلي ولكن اختر لنفسك أي بلد تكون فيه أنت وعيالك فاختار قلعة كبرى وكان بها ثم إن الملك محمدا أخا مسعود جعل لولده الأمر من بعده وبايع الجيش له وكان ولده اسمه أحمد وكان فيه هرج فاتفق هو ويوسف بن سبكتكين على قتل مسعود ليصفو لهم الأمر ويتم لهم الملك فسار إليه أحمد من غير علم أبيه فقتله فلما علم أبوه بذلك غاظه وعتب على ابنه عتبا شديدا وبعث إلى ابن أخيه يعتذر إليه ويقسم له أنه لم يعلم بذلك حتى كان ما كان فكتب إليه مودود بن مسعود رزق الله ولدك المعتوه عقلا يعيش به فقد ارتكب أمرا عظيما وقدم على إراقة دم مثل والدي الذي لقبه أمير المؤمنين بسيد الملوك والسلاطين وستعلمون أي حيف تورطتم وأي شر تأبطتم وسيعلم الذي ظلموا أي منقلب ينقلبون ثم سار إليهم في جنود فقاتلهم فقهرهم وأسرهم فقتل عمه محمدا وابنه أحمد وبني عمه كلهم إلا عبدالرحمن وخلقا من رؤس أمرائهم وابتنى قرية هنالك وسماها فتحا أباذا ثم سار إلى غزنة فدخلها في شعبان فأظهر العدل وسلك سيرة جده محمود فأطاعه الناس وكتب إليه أصحاب الأطراف بالإنقياد والإتباع والطاعة غير أنه أهلك قومه بيده وهذا من جملة سعادة السلاجقة  .

الثلاثاء، 17 أبريل 2012

شعر لـ للأديب الظريف أبو بكر العنبري 412 هـ


إني نظرت إلى الزمان     وأهله نظرا كفانى
فعرفته وعرفتهم وعرفت  عزى من هوانى
فلذاك أطرح الصديق      فلا أراه ولا يرانى
وزهدت فيما في يديه      ودونه نيل الأمانى
فتعجبوا لمغالب وهب      الأقاصى للأدانى
وانسل من بين الزحام     فماله في الغلب ثانى

الملك العادل بدر بن حسنويه بن الحسين أبو النجم الكردي


يقول ابن كثير في البداية والنهاية ج 12 ص 1-2 حول من توفي من الأعيان سنة405 هـ : كان من خيار الملوك بناحية الدينور وهمدان وله سياسة وصدقة كثيرة كناه القادر بأبي النجم ولقبه ناصر الدولة وعقد له لواء وأنفذه إليه وكانت معاملاته وبلاده في غاية الأمن والطيبة بحيث إذا أعيى جمل أحد من المسافرين أو دابته عن حمله يتركها بما عليها في البرية فيرد عليه ولو بعد حين لا ينقض منه شيء .
ولما عاثت أمراؤه في الأرض فسادا عمل لهم ضيافة حسنة فقدمها إليهم ولم يأتهم بخبز فجلسوا ينتظرون الخبز فلما استبطاؤه سألوا عنه فقال لهم إذا كنتم تهلكون الحرث وتظلمون الزراع فمن أين نؤتون بخبز ثم قال لهم لا أسمع بأحد أفسد في الأرض بعد اليوم إلا أرقت دمه .
واجتاز مرة في بعض أسفاره برجل قد حمل حزمة حطب وهو يبكي فقال له مالك تبكي فقال إني كان معي رغيفان أريد أن أتقوتهما فأخذهما مني بعض الجند فقال له أتعرفه إذا رأيته قال نعم فوقف به في موضع مضيق حتى مر عليه ذلك الرجل الذي أخذ رغيفيه قال هذا هو فأمر به أن ينزل عن فرسه وأن يحمل حزمته التي احتطبها حتى يبلغ بها إلى المدينة فأراد أن يفتدي من ذلك بمال جزيل فلم يقبل منه حتى تأدب به الجيش كلهم .
وكان يصرف كل جمعة عشرين ألف درهم على الفقراء والأرامل وفي كل شهر عشرين ألف درهم في تكفين الموتي ويصرف في كل سنة ألف دينار إلى عشرين نفسا يحجون عن والدته وعن عضد الدولة لأنه كان السبب في تمليكه وثلاثة آلاف دينار في كل سنة إلى الحدادين والحذائين لأجل المنقطعين من همذان وبغداد يصلحون الأحذية ونعال دوابهم ويصرف في كل سنة مائة ألف دينار إلى الحرمين صدقة على المجاورين وعمارة المصانع وإصلاح المياه في طريق الحجاز وحفر الآبار وما اجتاز في طريقه وأسفاره بماء إلا بني عنده قرية وعمر في أيامه من المساجد والخانات ما ينيف على ألفي مسجد وخان هذا كله خارجا عما يصرف من ديوانه من الجرايات والنفقات والصدقات والبر والصلات على أصناف الناس من الفقهاء والقضاة والمؤذنين والأشراف والشهود والفقراء والمساكين والأيتام والأرامل
وكان مع هذا كثير الصلاة والذكر وكان له من الدواب المربوطة في سبيل الله وفي الحشر ما ينيف على عشرين ألف دابة توفي في هذه السنة رحمه الله عن نيف وثمانين سنة ودفن في مشهد علي وترك من الأموال أربعة عشر ألف بدرة ونيفا وأربعين بدرة والبدرة عشرة آلاف رحمه الله .اهـ

همدان : تقع حالياً في إيران 
ومنطقة نفوذ الملك حسنويه كانت بين أذربيجان وإيران 

الجمعة، 13 أبريل 2012

مقتل أحمد بن نصر الخزاعي رحمه الله تعالى


يقول ابن كثير في البداية والنهاية ج 10ص 203 من نسختي عن سنة إحدى وثلاثين ومائتين :
وفيها كان مقتل أحمد بن نصر الخزاعي رحمه الله وأكرم مثواه
وكان سبب ذلك أن هذا الرجل وهو أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي وكان جده مالك ابن الهيثم من أكبر الدعاة إلى دولة بني العباس الذين قتلوا ولده هذا وكان أحمد بن نصر هذا له وجاهة ورياسة وكان أبوه نصر بن مالك يغشاه أهل الحديث وقد بايعه العامة في سنة إحدى ومائتين على القيام بالأمر والنهي حين كثرت الشطار والدعار في غيبة المأمون عن بغداد كما تقدم ذلك وبه تعرف سويقة نصر ببغداد وكان أحمد بن نصر هذا من أهل العلم والديانة والعمل الصالح والاجتهاد في الخير وكان من أئمة السنة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وكان ممن يدعو إلى القول بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق وكان الواثق من أشد الناس في القول بخلق القرآن يدعو إليه ليلا ونهارا سرا وجهارا اعتمادا على ما كان عليه أبوه قبله وعمه المامون من غير دليل ولا برهان ولاحجة ولا بيان ولا سنة ولا قرآن فقام أحمد بن نصر هذا يدعو إلى الله وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن النكر والقول بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق في أشياء كثيرة دعا الناس إليها فاجتمع عليه جماعة من أهل بغداد والتف عليه من الألوف أعداد وانتصب للدعوة إلى أحمد بن نصر هذا رجلان وهما أبو هارون السراج يدعو أهل الجانب الشرقي وآخر يقال له طالب يدعو أهل الجانب الغربي فاجتمع عليه من الخلائق ألوف كثيرة وجماعات غزيرة فلما كان شهر شعبان من هذه السنة انتظمت البيعة لأحمد بن نصر الخزاعي في السير على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والخروج على السلطان لبدعته ودعوته إلى القول بخلق القرآن ولما هو عليه وأمراؤه وحاشيته من المعاصي والفواحش وغيرها فتواعدوا على أنهم في الليلة الثالثة من شعبان وهي ليلة الجمعة يضرب طبل في الليل فيجتمع الذين بايعوا في مكان اتفقوا عليه وأنفق طالب وأبو هارون في أصحابه دينارا دينارا وكان من جملة من أعطوه رجلان من بني أشرس وكانا يتعاطيان الشراب فلما كانت ليلة الخميس شربا في قوم من أصحابهم واعتقدا أن تلك الليلة هي ليلة الوعد وكان ذلك قبله بليلة فقاما يضربان على طبل في الليل ليجتمع إليهما الناس فلم يجئ أحد وانخرم النظام وسمع الحرس في الليل فأعلموا نائب السلطنة وهو محمد بن إبراهيم بن مصعب وكان نائبا لأخيه إسحاق بن إبراهيم لغيبته عن بغداد فأصبح الناس متخبطين واجتهد نائب السلطنة على إحضار ذينك الرجلين فأحضرا فعاقبهما فأقرا على أحمد بن نصر فطلبه وأخذ خادما له فاستقره فأقر بما أقر به الرجلان فجمع جماعة من رؤس أصحاب أحمد بن نصر معه وأرسل بهم إلى الخليفة بسر من رأى وذلك في آخر شعبان فأحضر له جماعة من الأعيان وحضر القاضي أحمد بن أبي داؤد المعتزلي وأحضر أحمد بن نصر ولم يظهر منه على أحمد بن نصر ولم يظهر منه على احمد ابن نصر عتب فلما أوقف أحمد بن نصر بين يدي الواثق لم يعاتبه على شيء مما كان منه في مبايعته العوام على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيره بل أعرض عن ذلك كله وقال له ما تقول في القرآن فقال هو كلام الله قال أمخلوق هو قال هو كلام الله وكان أحمد بن نصر قد استقتل وباع نفسه وحضر وقد تحنط وتنور وشد على عورته ما يسترها فقال له فما تقول في ربك أتراه يوم القيامة فقال يا أمير المؤمنين قد جاء القرآن والأخبار بذلك قال الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فنحن على الخبر زاد الخطيب قال الواثق ويحك أيرى كما يرى المحدود المتجسم ويحويه مكان ويحصره الناظر أنا أكفر برب هذه صفته قلت
وما قاله الواثق لا يجوز ولا يلزم ولا يرد به هذا الخبر الصحيح والله أعلم
ثم قال أحمد بن نصر للواثق وحدثني سفيان بحديث يرفعه إن قلب ابن آدم بأصبعين من أصابع الله يقلبه كيف شاء وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقال له إسحاق بن إبراهيم ويحك انظر ما تقول فقال أنت أمرتني بذلك فأشفق إسحاق من ذلك وقال أنا أمرتك قال نعم أنت أمرتني أن أنصح له فقال الواثق لمن حوله ما تقولون في هذا الرجل فأكثروا القول فيه فقال عبد الرحمن بن إسحاق وكان قاضيا على الجانب الغربي فعزل وكان موادا لأحمد بن نصر قبل ذلك يا أمير المؤمنين هو حلال الدم وقال أبو عبد الله الأرمني صاحب أحمد بن أبي داؤد اسقني دمه يا أمير المؤمنين فقال الواثق لابد أن يأتي ما تريد وقال ابن أبي دؤاد هو كافر يستتاب لعل به عاهة أو نقص عقل فقال الواثق إذا رأيتموني قمت إليه فلا يقومن أحد معي فإني أحتسب خطاى ثم نهض إليه بالصمصامة وقد كانت سيفا لعمرو بن معد يكرب الزبيدي أهديت لموسى الهادي في أيام خلافته وكانت صفيحة مسحورة في أسفلها مسمورة بمسامير فلما انتهي إليه ضربه بها على عاتقه وهو مربوط بحبل قد أوقف على نطع ثم ضربه أخرى على رأسه ثم طعنه بالصمصامة في بطنه فسقط صريعا رحمه الله على النطع ميتا فانا لله وإنا إليه راجعون رحمه الله وعفا عنه ثم انتضى سيما الدمشقي سيفه فضرب عنقه وحز رأسه وحمل معترضا حتى أتى به الحظيرة التي فيها بابك الخرمي فصلب فيها وفي رجليه زوج قيود وعليه سراويل وقميص وحمل رأسه إلى بغداد فنصب في الجانب الشرقي أياما وفي الغربي اياما وعنده الحرس في الليل والنهار زفي أذنه رقعة مكتوب فيها هذا رأس الكافر المشرك الضال أحمد بن نصر الخزاعي ممن قتل على يدي عبد الله هارون الامام الواثق بالله أمير المؤمنين بعد أن أقام عليه الحجة في خلق القرآن ونفي التشبيه وعرض عليه التوبة ومكنه من الرجوع إلى الحق فأبى إلا المعاندة والتصريح فالحمد لله الذي عجله إلى ناره وأليم عقابه بالكفر فاستحل بذلك أمير المؤمنين دمه ولعنه
ثم أمر الواثق بتتبع رؤس أصحابه فأخذ منهم نحوا من تسع وعشرين رجلا فأودعوا في السجون وسموا الظلمة ومنعوا أن يزورهم أحد وقيدوا بالحديد ولم يجر عليهم شيء من الأرزاق التي كانت تجري على المحبوسين وهذا ظلم عظيم
وقد كان أحمد بن نصر هذا من أكابر العلماء العاملين القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
من شيوخه
وسمع الحديث من حماد بن زيد وسفيان بن عيينة وهاشم بن بشير وكانت عنده مصنفاته كلها وسمع من الامام مالك بن أنس أحاديث جيدة ولم يحدث بكثير من حديثه وحدث عنه أحمد بن إبراهيم الدورقي وأخوه يعقوب بن إبراهيم ويحي بن معين
الثناء عليه

وذكره(يحي بن معين) يوما فترحم عليه وقال قد ختم الله له بالشهادة وكان لا يحدث ويقول إني لست أهلا لذلك وأحسن يحي بن معين الثناء عليه جدا
ثناء الإمام أحمد على محمد بن نصر
وذكره الامام أحمد بن حنبل يوما فقال رحمه الله ما كان أسخاه بنفسه لله لقد جاد بنفسه له .
وقال جعفر بن محمد الصائغ بصرت عيناي وإلا فقئتا وسمعت أذناي وإلا فصمتا أحمد ابن نصر الخزاعي حين ضربت عنقه يقول رأسه لا إله إلا الله وقد سمعه بعض الناس وهو مصلوب على الجذع ورأسه يقرأ الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون قال فاقشعر جلدي ورآه بعضهم في النوم فقال له مافعل بك ربك فقال ما كانت إلا غفوة حتى لقيت الله عز وجل فضحك إلى ورأى بعضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ومعه أبو بكر وعمر قد مروا على الجذع الذي عليه رأس أحمد بن نصر فلما جاوزوه أعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه الكريم عنه فقيل له يارسول الله مالك أعرضت عن أحمد بن نصر فقال أعرضت عنه استحياء منه حين قتله رجل يزعم أنه من أهل بيتي
ولم يزل رأسه منصوبا من يوم الخميس الثامن والعشرين من شعبان من هذه السنة أعني سنة إحدى وثلاثين ومائتين إلى بعد عيد الفطر بيوم أو يومين من سنة سبع وثلاثين ومائتين فجمع بين رأسه وجثته ودفن بالجانب الشرقي من بغداد بالمقبرة المعروفة بالمالكية رحمه الله وذلك بأمر المتوكل على الله الذي ولى الخلافة بعد أخيه الواثق وقد دخل عبد العزيز بن يحي الكتائي صحاب كتاب الحيدة على المتوكل وكان من خيار الخلفاء لأنه أحسن الصنيع لأهل السنة بخلاف أخيه الواثق وأبيه المعتصم وعمه المأمون فإنهم أساؤا إلى أهل السنة وقربوا أهل البدع والضلال من المعتزلة وغيرهم فأمره أن ينزل جثة محمد بن نصر ويدفنه ففعل وقد كان المتوكل يكرم الامام أحمد بن حنبل إكراما زائدا جدا كما سيأتي بيانه في موضعه والمقصود أن عبد العزيز صاحب كتاب الحيدة قال للمتوكل يا أمير المؤمنين ما رأيت أو مارئى أعجب من أمر الواثق قتل أحمد بن نصر وكان لسانه يقرأ إلى أن دفن فوجل المتوكل من كلامه وساءه ما سمع في أخيه الواثق فلما دخل عليه الوزير محمد بن عبد الملك بن الزيات قال له المتوكل في قلبي شيء من قتل أحمد بن نصر فقال يا أمير المؤمنين أحرقني الله بالنار إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا ودخل عليه هرثمة فقال له في ذلك فقال قطعني الله إربا إربا إن قتله إلا كافرا ودخل عليه القاضي أحمد بن أبي داؤد فقال له مثل ذلك فقال ضربني الله بالفالج إن قتله الواثق إلا كافرا قال المتوكل فأما ابن الزيات فأنا أحرقته بالنار وأما هرثمة فانه هرب فاجتاز بقبيلة خزاعة فعرفه رجل من الحي فقال يا معشر خزاعة هذا الذي قتل ابن عمكم أحمد بن نصر فقطعوه فقطعوه إربا إربا وأما ابن أبي دؤاد فقد سجنه الله في جلده يعني بالفالج ضربه الله قبل موته بأربع سنين وصودر من صلب ماله بمال جزيل جدا كما سيأتي بيانه في موضعه
وروى أبو داود في كتاب المسائل عن أحمد بن إبراهيم الدورقي عن أحمد بن نصر قال سألت سفيان بن عيينة القلوب بين إصبعين من أصابع الله وإن الله يضحك ممن يذكره في الأسواق فقال اروها كما جاءت بلا كيف . اهـ