الأربعاء، 27 مارس 2019

الإسلام جعل حق للمولى على مولاه مثل الارحام

اخرج في المسند 20032 
 حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يَأْتِي رَجُلٌ مَوْلَاهُ، فَيَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلٍ هُوَ عِنْدَهُ فَيَمْنَعُهُ إِيَّاهُ إِلَّا دُعِيَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعٌ يَتَلَمَّظُ فَضْلُهُ الَّذِي مَنَعَهُ "

حسنه  شعيب الأرناؤوط ، وحسنه الألباني في صحيح النسائي 2565 

- وفي رواية عند  الطبراني في " الكبير و الأوسط " عن جرير بن عبد الله عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : 
 ما من ذِي رَحِمٍ يأتي رحمَهُ فِيَسْأَلُهُ فَضْلا أعطاهُ اللهُ إِيَّاهُ، فَيَبْخَلُ عليهِ ، إلَّا أخَرَجَ لهُ يومَ القيامةِ من جهنمَ حَيَّةً يقالُ لها : شُجَاعٌ يَتَلَمَّظُ ، فَيُطَوَّقُ بِه 
السلسلة الصحيحة 2548


وفي هذا الحديثِ يُبيِّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنَّه لا يحِقُّ لرَجُلٍ أن يَمنَع ما زادَ عن حاجَتِه مِن مالٍ عمَّن تحتَه مِن عَبيدٍ ونحوِهم، ويُبيِّنُ عُقوبةَ مَن فعَلَ ذلك، فيقولُ: "لا يأتي رجلٌ مَولاه"، أي: سيِّدَه، "يَسأَلُه مِن فَضْلٍ عِندَه"، أي: ما زادَ عن حاجتِه، "فيَمنَعُه إيَّاه"، أي: لا يُعْطيه ممَّا فضَل بعدَ سُؤالِه له، "إلَّا دُعي له يومَ القِيامةِ"، أي: يُجازَى بذلك يومَ القيامةِ بأن يتَمثَّلَ له فَضْلُه الَّذي منَع "شُجاعٌ أقرَعُ" الشُّجاعُ هو نوعٌ مِن الحيَّاِتِ، وأقرَعُ صفةٌ لتلك الحيَّةِ، وهو ما ذهَب شعرُ رأسِه مِن السُّمِّ، "يتَلمَّظُ"، أي: تُحرِّكُ تلك الحيَّةُ لِسانَها وتُخرِجُه، "فَضْلَه الَّذي منَع"، أي: تلك الحيَّةُ الَّتي يُعذَّبُ بها هي فَضْلُه الَّذي منَعه عن سائلِه، تتمثَّلُ تلك الأموالُ على هذه الهيئةِ، واللهُ على كلِّ شيءٍ قديرٌ.
وفي الحديثِ: مُعاقبةُ البَخيلِ الَّذي منَع ما عليه إخراجُه مِن الأموالِ بنَفسِ تلك الأموالِ.
وفيه: ذمُّ مَنْعِ السَّائلِ لِمَا فضَل عن الحاجةِ .

الثلاثاء، 26 مارس 2019

تكريم الإسلام للمرأة

وإذا الموءودة سئلت: بأي ذنب قتلت؟ وقد كان من هوان النفس الإنسانية في الجاهلية أن انتشرت عادة وأد البنات خوف العار أو خوف الفقر. وحكى القرآن عن هذه العادة ما يسجل هذه الشناعة على الجاهلية، التي جاء الإسلام ليرفع العرب من وهدتها، ويرفع البشرية كلها. فقال في موضع: وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم. يتوارى من القوم من سوء ما بشر به. أيمسكه على هون أم يدسه في التراب؟ ألا ساء ما يحكمون! .. وقال في موضع: وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا (أي البنات) ظل وجهه مسودا وهو كظيم. أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين؟.. وقال في موضع ثالث: 

ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم .. 

وكان الوأد يتم في صورة قاسية. إذ كانت البنت تدفن حية! وكانوا يفتنون في هذا بشتى الطرق. فمنهم من كان إذا ولدت له بنت تركها حتى تكون في السادسة من عمرها، ثم يقول لأمها: طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها! وقد حفر لها بئرا في الصحراء، فيبلغ بها البئر، فيقول لها: انظري فيها. ثم يدفعها دفعا ويهيل التراب عليها! وعند بعضهم كانت الوالدة إذا جاءها المخاض جلست فوق حفرة محفورة. فإذا كان المولود بنتا رمت بها فيها وردمتها. وإن كان ابنا قامت به معها! وبعضهم كان إذا نوى ألا يئد الوليدة أمسكها مهينة إلى أن تقدر على الرعي، فيلبسها جبة من صوف أو شعر ويرسلها في البادية ترعى له إبله! 

فأما الذين لا يئدون البنات ولا يرسلونهن للرعي، فكانت لهم وسائل أخرى لإذاقتها الخسف والبخس.. كانت إذا تزوجت ومات زوجها جاء وليه فألقى عليها ثوبه. ومعنى هذا أن يمنعها من الناس فلا يتزوجها أحد ص: 3840 ] فإن أعجبته تزوجها، لا عبرة برغبتها هي ولا إرادتها! وإن لم تعجبه حبسها حتى تموت فيرثها. أو أن تفتدي نفسها منه بمال في هذه الحالة أو تلك.. وكان بعضهم يطلق المرأة ويشترط عليها ألا تنكح إلا من أراد. إلا أن تفتدي نفسها منه بما كان أعطاها.. وكان بعضهم إذا مات الرجل حبسوا زوجته على الصبي فيهم حتى يكبر فيأخذها.. وكان الرجل تكون اليتيمة في حجره يلي أمرها، فيحبسها عن الزواج، رجاء أن تموت امرأته فيتزوجها! أو يزوجها من ابنه الصغير طمعا في مالها أو جمالها.. 

فهذه كانت نظرة الجاهلية إلى المرأة على كل حال. حتى جاء الإسلام. يشنع بهذه العادات ويقبحها. وينهى عن الوأد ويغلظ فعلته. ويجعلها موضوعا من موضوعات الحساب يوم القيامة. يذكره في سياق هذا الهول الهائج المائج، كأنه حدث كوني من هذه الأحداث العظام. ويقول: إن الموءودة ستسأل عن وأدها.. فكيف بوائدها؟! 

وما كان يمكن أن تنبت كرامة المرأة من البيئة الجاهلية أبدا; لولا أن تتنزل بها شريعة الله ونهجه في كرامة البشرية كلها، وفي تكريم الإنسان: الذكر والأنثى; وفي رفعه إلى المكان اللائق بكائن يحمل نفخة من روح الله العلي الأعلى. فمن هذا المصدر انبثقت كرامة المرأة التي جاء بها الإسلام، لا من أي عامل من عوامل البيئة. 

وحين تحقق ميلاد الإنسان الجديد باستمداد القيم التي يتعامل بها من السماء لا من الأرض، تحققت للمرأة الكرامة، فلم يعد لضعفها وتكاليف حياتها المادية على أهلها وزن في تقويمها وتقديرها. لأن هذه ليست من قيم السماء ولا وزن لها في ميزانها. إنما الوزن للروح الإنساني الكريم المتصل بالله. وفي هذا يتساوى الذكر والأنثى. 

وحين تعد الدلائل على أن هذا الدين من عند الله، وأن الذي جاء به رسول أوحي إليه.. تعد هذه النقلة في مكانة المرأة إحدى هذه الدلائل التي لا تخطئ. حيث لم تكن توجد في البيئة أمارة واحدة ينتظر أن تنتهي بالمرأة; إلى هذه الكرامة ولا دافع واحد من دوافع البيئة وأحوالها الاقتصادية بصفة خاصة لولا أن نزل النهج الإلهي ليصنع هذا ابتداء بدافع غير دوافع الأرض كلها، وغير دوافع البيئة الجاهلية بصفة خاصة. فأنشأ وضع المرأة الجديد إنشاء، يتعلق بقيمة سماوية محضة وبميزان سماوي محض كذلك!