الخميس، 16 يونيو 2011

حديث أم زرع


هي حكاية لإحدى عشرة امرأة منهم من وصفت زوجها بالخير في جميع أموره ومنهن من وصفته بضد ذلك ومنهن من جمعت له الخير والشر
  وقصَتَها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه للنبي صلي الله عليه وسلم ،وسمعها النبي صلي الله عليه وسلم ثم رد عليها بقوله : (كنت لك كأبي زرع لأم زرع). وفي رواية (ولكن لا أطلق) ....ووضع أكثر العلماء تلك الحكاية في باب حُسن المعاشرة مع الأهل ...وانظر للنبي صلي الله عليه وسلم مع انشغاله بالدعوة والنبوة ولكن إستمع لزوجته .

اخرج البخاري(4893) والنسائي وأبي داود والترمذي والدارقطني والطبراني واللفظ هنا للبخاري رحمه الله حيث قال :كتاب النكاح 82 - باب: حسن المعاشرة مع الأهل.
عن عروة، عن عائشة قالت:
 جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا،
قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث، على رأس جبل: لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل.
قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره.
 قالت الثالثة: زوجي العشنق، إن أنطق أطلق إن أسكت أعلق.
قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة.
قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد، إن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد.
قالت السادسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب أشتف، وإن اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث.
قالت السابعة: زوجي غياياء، وعياياء، طباقاء، كل داء له داء، شجك أو فلك أو جمع كلا لك.
قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب.
قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد.
قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، وإذا سمعن صوت المزهر، أيقن أنهن هوالك.
قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع، فما أبو زرع، أناس من حلي أذني، وملأ من شحم عضدي، وبجحني فبجحت إلي نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنق، فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقنح. أم أبي زرع، فما أم أبي زرع، عكومها رداح، وبيتها فساح. ابن أبي زرع، فما ابن أبي زرع، مضجعه كمسل شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة. بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع، طوع أبيها، وطوع أمها، وملء كسائها، وغيظ جارتها. جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع، لا تبث حديثها تبثيثا، ولا تنقث ميرتنا تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا.
قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريا، ركب شريا، وأخذ خطيا، وأراح علي نعم ثريا، وأعطاني من كل رائحة زوجا، وقال: كلي أم زرع، وميري أهلك، قالت: لو جمعت كل شيء أعطانيه، ما بلغ أصغر أنية أبي زرع.
قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كنت لك كأبي زرع لأم زرع).

بعض معاني الكلمات والشرح:

إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن : الراجح ان هذا كان فى الجاهلية

1-قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث، على رأس جبل: لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل :أي كثير الضجر شديد الغلظة يصعب الرقي إليه .. ووصفته بلحم جمل ردىء ومع ذلك فهو علي جبل عالي صعب الارتقاء حيث شبهت زوجها باللحم الغث وشبهت سوء خلقه بالجبل الوعر ثم فسرت ما اجملت فكأنها قالت لا الجبل سهلا فلا يشق ارتقاؤه لاخذ اللحم ولو كان هزيلا لأن الشيء المزهود فيه أن يؤخذ إذا وجد بغير نصب ثم قالت ولا اللحم سمين فيتحمل المشقة في صعود الجبل لأجل تحصيله قوله فيرتقي أي فيصعد فيه وهو وصف للجبل

2-قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره: إني أخاف أن لا أذره أي أخاف أن لا أترك من خبره شيئا حيثبدأته لم أقدر على تكميله فاكتفت بالاشار إلى معيابه وسوء خلقه خشية أن يطول الخطب بإيراد جميعها ..عجره وبجره:فالعجر تعقد العصب والعروق في الجسد حتى تصير ناتئة والبجر مثلها الا أنها مختصة بالتي تكون في البطن (الفتق الذي بالبطن) أرادت عيوبه الظاهرة وأسراره الكامنة  ولعله كان مستور الظاهر رديء الباطن.

3-قالت الثالثة: زوجي العشنق، إن أنطق أطلق إن أسكت أعلق : قال الخليل بن احمد العشنق هو الطويل العنق ،وقال الأصمعي أرادت أنه ليس عنده أكثر من طوله بغير نفع ،قلت هي تقصد بالعشنق الطويل الاهبل فهوأهوج لا يستقر على حال كالسنان الشديدة الحدة قوله ان أنطق أطلق وأن اسكت اعلق أي أن ذكرت عيوبه فيبلغه طلقني وأن سكت عنها فأنا عنده معلقة لا ذات زوج ولا أيم ،أنها أرادت وصف سوء حالها عنده فأشارت إلى سوء خلقه وعدم احتماله لكلامها أن شكت له حالها وإنها تعلم أنهى متى ذكرت له شيئا من ذلك بادر إلى طلاقها

4-قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة:  أي لا ثقل عنده تصف زوجها بذلك وأنه لين الجانب خفيف الوطأة ،ولا مخافة عند من يأوي إليه ثم وصفته بالجود وقال غيره قد ضربوا المثل بليل تهامة في الطيب لأنها بلاد حارة في غالب الزمان وليس فيها رياح باردة فإذا كان الليل كان وهج الحر ساكنا فيطيب الليل لأهلها بالنسبة لما كانوا فيه من أذى حر النهار فوصفت زوجها بجميل العشرة واعتدال الحال وسلامة الباطن فكأنها قالت لا أذى عنده ولا مكروه وأنا آمنة منه فلا أخاف من شره ولا ملل عنده فيسأم من عشرتي أو ليس بسيء الخلق فأسأم من عشرته فأنا لذيذة العيش عنده كلذة أهل تهامة بليلهم المعتدل

5-قالت الخامسة: زوجي إن دخل فَهَد، إن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد: قال أبو عبيد  فهد مشتق من الفهد وصفته بالغفلة عند دخول البيت على وجه المدح له وقال بن حبيب شبهته في لينه وغفلته بالفهد لأنه يوصف بالحياء وقلة الشر وكثرة النوم وقوله أسد بفتح الالف وكسر السين مشتق من الأسد أي يصير بين الناس مثل الأسد ،ولا يسأل عما عهد بمعنى أنه شديد الكرم كثير التغاضي لا يتفقد ما ذهب من ماله وإذا جاء بشيء لبيته لا يسأل عنه بعد ذلك أو لا يلتفت إلى ما يرى في البيت من المعايب بل يسامح ويغضي

6-قالت السادسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب أشتف، وإن اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث: والمراد باللف الإكثار من الطعام واستقصاؤه حتى لا يترك منه شيئا من نهمته وشرهه ،والاشتفاف في الشرب استقصاؤه ،التف أي رقد ناحية وتلفف بكسائه وحده وانقبض عن أهله اعراضا ،ولا يولج الكف ليعلم البث أي لا يمد يده ليعلم ما هي عليه من الحزن فيزيله فوصفته بقلة الشفقة عليها وأنه أن لو رآها عليلة لم يدخل يده في ثوبها ليتفقد خبرها

7-قالت السابعة: زوجي غياياء، وعياياء، طباقاء، كل داء له داء، شجك أو فلك أو جمع كلا لك: والغياياء الطباقاء الاحمق والغي وهو الانهماك في الشر ،كل داء له داء أي كل شيء تفرق في الناس من المعايب موجود فيه ،شجك أي جرحك في رأسك وجراحات الرأس تسمى شجاجا وقولها أو فلك  أي جرح جسدك ،فإذا ضرب إما أن يكسر عظما أو يشج رأسها أو يجمعهما

8-قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب : والارنب دويبة لينة المس ناعمة الوبر جدا والزرنب بوزن الأرنب وهو نبت طيب الريح وقيل هو شجرة عظيمة بالشام بجبل لبنان لا تثمر لها ورق بين ،وصفته بأنه لين الجسد ناعمه ويحتمل أن تكون كنت بذلك عن حسن خلقه ولين عريكته بأنه طيب العرق لكثرة نظافته واستعماله الطيب تظرفا ويحتمل أن تكون كنت بذلك عن طيب حديثه أو طيب الثناء عليه لجميل معاشرته

9-قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد:رفيع العماد وصفته بطول البيت وعلوه فإن بيوت الأشراف كذلك يعلونها ويضربونها في المواضع المرتفعة ليقصدهم الطارقون والوافدون ، طويل النجاد حمالة السيف تريد أنه طويل القامة يحتاج إلى طول نجاده وفي ضمن كلامها أنه صاحب سيف فأشارت إلى شجاعته وكانت العرب تتمادح بالطول وتذم
وقولها عظيم الرماد تعني أن نار قراه للاضياف لا تطفأ لنهتدي الضيفان إليها فيصير رماد النار كثيرا لذلك وقولها قريب البيت من الناد وقفت عليها بالسكون لمؤاخاه السجع والنادي والندى مجلس القوم وصفته بالشرف في قومه فهم إذا تفاوضوا واتشوروا في أمر وأتوا فجلسوا قريبا من بيته فاعتمدوا على رأيه وامتثلوا أمره

10-قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، وإذا سمعن صوت المزهر، أيقن أنهن هوالك :المبارك جمع مبرك وهو موضع نزول الإبل والمسارح جمع مسرح وهو الموضع الذي تطلق لترعى
والمزهر بكسر الميم وسكون الزاي وفتح الهاء آلة من الات اللهو وقيل هي العود وقيل دف مربع المهالك فجمعت في وصفها له بين الثروة والكرم وكثرة القرى (الضيافة) ، وقولها مالك خير من ذلك زيادة في الاعظام وتفسير لبعض الإبهام وأنه خير مما اشير إليه من ثناء وطيب ذكر وفوق ما اعتقد فيه من سؤدد وفخر وهو أجل ممن اصفه لشهرة فضله وهذا بناء على أن الإشارة بقولها ذلك إلى ما تعتقده فيه من صفات المدح ، قولها قليلات المسارح أنه لاستعداده للضيفان بها لا يوجه منهن إلى المسارح الا قليلا ويترك سائرهن بفنائه فإن فاجأه ضيف وجد عنده ما يقريه به من لحومها وألبانها

11- قالت الحادية عشرة: قولها أناس من حلي أذني :والمراد أنه ملأ أذنيها بما جرت عادة النساء من التحلي به من قرط وشنف من ذهب ولؤلؤ ونحو ذلك
وملأ من شحم عضدي :قال أبو عبيد لم ترد العضد وحده وإنما أرادت الجسد كله لأن العضد إذا سمنت سمن سائر الجسد وخصت العضد لأنه أقرب ما يلي بصر الإنسان من جسده
وبجحني فبجحت إلي نفسي :عظمني فعظمت إلى نفسي
وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل وأطيط :فالمراد  بالشق بالكسر إنهم كانوا في شظف من العيش يقال هو بشق من العيش أي بشظف وجهد ومنه {لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ}
"فجعلني في أهل صهيل" أي خيل "وأطيط" أي إبل ،اى حولها من أهل الغنم الفقراء الي أهل الخيل والابل الاغنياء
ودائس ومنق : دائس: اصحاب زرع ،منق: المنق بالكسر نقيق أصوات المواشي تصف كثرة ماله
 والحاصل أنها ذكرت أنه نقلها من شظف عيش أهلها إلى الثروة الواسعة من الخيل والإبل والزرع
فلا أقبح" أي فلا يقال لي قبحك الله أو لا يقبح قولي ولا يرد علي أي لكثرة إكرامه لها وتدللها عليه
"وأرقد فاتصبح" أي أنام الصبحة وهي نوم أول النهار فلا اوقظ
"واشرب فاتقنح" هو الشرب على مهل لكثرة اللبن لأنها كانت آمنة من قلته فلا تبادر إليه مخافة عجزه
على أن المعنى أنها تشرب حتى لا تجد مساغا أو أنها لا يقلل مشروبها ولا يقطع عليها حتى تتم شهوتها منه
فما أم أبي زرع، عكومها رداح، وبيتها فساح : والعكوم الاعدال والاحمال التي تجمع فيها الامتعة وقيل هي نمط تجعل المرأة فيها ذخيرتها ، معناه ثقيلة يقال للكتيبة الكبيرة رداح إذا كانت بطيئة السير لكثرة من فيها ويقال للمرأة إذا كانت عظيمة الكفل ثقيلة الورك رداح
والمعنى أنها وصفت والدة زوجها بأنها كثيرة الآلات والأثاث والقماش واسعة المال كبيرة البيت أما حقيقة فيدل ذلك على عظم الثروة وأما كناية عن كثرة الخير ورغد العيش والبر بمن ينزل بهم
"ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع مضجعه كمسل شطبة ويشبعه ذراع الجفرة" شبهته بسيف مسلول ذي شطب وسيوف اليمن كلها ذات شطب وقد شبهت العرب الرجال بالسيوف أما لخشونة الجانب وشدة المهابة واما لجمال الرونق وكمال اللألاء وأم ا لكمال صورتها في اعتدالها واستوائها، وأما الجفرة بفتح الجيم وسكون الفاء فهي الأنثى من ولد المعز
والحاصل أنها وصفته بهيف القد وأنه ليس ببطين ولا جاف قليل الأكل والشرب ملازم لآلة الحرب يختال في موضع القتال وكل ذلك مما تتمادح به العرب ويظهر لي أنها وصفته بأنه خفيف الوطأة عليها لأن زوج الأب غالبا يستثقل ولده من غيرها فكان هذا يخفف عنها فإذا دخل بيتها فانفق أن
"وملء كسائها" كناية عن كمال شخصها ونعمة جسمها

 فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها :أي ا نابي زرع طلقا أم زرع تلك التي وصفته من اجل امرأة أخري
فنكحت بعده رجلا سريا، ركب شريا، وأخذ خطيا، وأراح علي نعم ثريا، وأعطاني من كل رائحة زوجا، وقال: كلي أم زرع، وميري أهلك، قالت: لو جمعت كل شيء أعطانيه، ما بلغ أصغر أنية أبي زرع : وتزوجت أم زرع برجل أخر  ومع كرم وحسن معاشرة هذا الرجل لم تستطيع نسيان أبا زرع بل وصفته بأجمل ما فيه حتى وصفت أمه وابنه وجاريته ، ومع عظم ما أعطاها الأخر فهو لا يسوي شيء بالنسبة  لآنية أبا زرع وذلك من حبها له

المراجع :صحيح البخاري ، وفتح الباري للحافظ ابن حجر ،وسنن الدارقطني ،وسنن ابي داود ،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق