الغربي: ماديُّ الحياة، قويُّ النفس، شديد المعاملة، حريصٌ على الانتقام، كأنَّه لم يبقَ عنده شيء من المبادئ العالية والعواطف الشريفة التي نقلتها له مسيحية الشرق. فالجرماني مثلاً: جاف الطبع، يرى أنَّ العضو الضعيف من البشر يستحق الموت، ويرى كلَّ فضيلة في القوة، وكلَّ القوة في المال، فهو يحبُّ العلم، ولكن، لأجل المال؛ ويحبُّ المجد، ولكن لأجل المال. وهذا اللاتيني مطبوع على العجب والطيش، يرى العقل في الإطلاق، والحياة في خلع الحياء، والشّرف في التّرف، والكياسة في الكسب، والعزّ في الغلبة، واللذَّة في المائدة والفراش.
أما أهل الشرق فهم أدبيون، ويغلب عليهم ضعف القلب وسلطان الحبِّ، والإصغاء للوجدان، والميل للرّحمة ولو في غير موقعها، واللُّطف ولو مع الخصم. ويرون العزَّ في الفتوة والمروءة، والغنى في القناعة والفضيلة، والراحة في الأنس والسّكينة، واللذة في الكرم والتحبب، وهم يغضبون، ولكن؛ للدين فقط، ويغارون، ولكن؛لى العِرْض فقط.
ليس من شأن الشرقي أن يسير مع الغربي في طريقٍ واحدة، فلا تطاوعه طباعه على استباحة ما يستحسنه الغربي، وإن تكلَّف تقليده في أمر فلا يُحسن التقليد، وإن أحسنه فلا يثبت، وإن ثبت فلا يعرف استثماره، حتى لو سقطت الثمرة في كفِّه تمنّى لو قفزت على فمه! .. فالشرقي مثلاً يهتمُّ في شأن ظالمه إلى أن يزول عنه ظلمه، ثمَّ لا يفكر فيمن يخلفه ولا يراقبه، فيقع في الظلم ثانيةً، فيعيد الكرّة ويعود الظلم إلى ما لا نهاية. وكأولئك الباطنة في الإسلام: فتكوا بمئات أمراء على غير طائل، كأنَّهم لم يسمعوا بالحكمة النبوية: "لا يُلدَغ المرء من جُحرٍ مرتين"، ولا بالحكمة القرآنية" {إنَّ الله يحبُّ المتَّقين}. أما الغربي إذا أخذ على يد ظالمه فلا يفلته حتى يشلَّها، بل حتى يقطعها ويكوي مقطعها.
وهكذا بين الشرقيين والغربيين فروقٍ كثيرة، قد يفضل في الإفراديات الشرقي على الغربي، وفي الاجتماعيات يفضل الغربي على الشرقي مطلقاً. مثال ذلك: الغربيون يستحلفون أميرهم على الصداقة في خدمته لهم والتزام القانون. والسلطان الشرقي يستحلف الرعية على الانقياد والطاعة! الغربيون يَمنّون على ملوكهم بما يرتزقون من فضلاتهم، والأمراء الشرقيون يتكرَّمون على من شاؤوا بإجراء أموالهم عليهم صدقات! الغربي يعتبر نفسه مالكاً لجزءٍ مشاع من وطنه، والشرقيّ يعتبر نفسه وأولاده وما في يديه ملكاً لأميره! الغربي له على أميره حقوق، وليس عليه حقوق؛ والشرقي عليه لأميره حقوق وليس له حقوق! الغربيون يضعون قانوناً لأميرهم يسري عليه، والشرقيون يسيرون على قانون مشيئة أمرائهم! الغربيون قضاؤهم وقدرهم من الله؛ والشرقيون قضاؤهم وقدرهم ما يصدر من بين شفتي المستعبدين! الشرقي سريع التصديق، والغربي ينفي ولا يثبت حتى يرى ويلمس. الشرقي أكثر ما يغار على الفروج كأنَّ شرفه كلّه مستودَعٌ فيها، والغربي أكثر ما يغار على حريته واستقلاله! الشرقي حريصٌ على الدين والرياء فيه، والغربي حريصٌ على القوة والعزّ والمزيد فيهما! والخلاصة: أنَّ الشرقي ابن الماضي والخيال، والغربي ابن المستقبل والجد! ...
أما أهل الشرق فهم أدبيون، ويغلب عليهم ضعف القلب وسلطان الحبِّ، والإصغاء للوجدان، والميل للرّحمة ولو في غير موقعها، واللُّطف ولو مع الخصم. ويرون العزَّ في الفتوة والمروءة، والغنى في القناعة والفضيلة، والراحة في الأنس والسّكينة، واللذة في الكرم والتحبب، وهم يغضبون، ولكن؛ للدين فقط، ويغارون، ولكن؛لى العِرْض فقط.
ليس من شأن الشرقي أن يسير مع الغربي في طريقٍ واحدة، فلا تطاوعه طباعه على استباحة ما يستحسنه الغربي، وإن تكلَّف تقليده في أمر فلا يُحسن التقليد، وإن أحسنه فلا يثبت، وإن ثبت فلا يعرف استثماره، حتى لو سقطت الثمرة في كفِّه تمنّى لو قفزت على فمه! .. فالشرقي مثلاً يهتمُّ في شأن ظالمه إلى أن يزول عنه ظلمه، ثمَّ لا يفكر فيمن يخلفه ولا يراقبه، فيقع في الظلم ثانيةً، فيعيد الكرّة ويعود الظلم إلى ما لا نهاية. وكأولئك الباطنة في الإسلام: فتكوا بمئات أمراء على غير طائل، كأنَّهم لم يسمعوا بالحكمة النبوية: "لا يُلدَغ المرء من جُحرٍ مرتين"، ولا بالحكمة القرآنية" {إنَّ الله يحبُّ المتَّقين}. أما الغربي إذا أخذ على يد ظالمه فلا يفلته حتى يشلَّها، بل حتى يقطعها ويكوي مقطعها.
وهكذا بين الشرقيين والغربيين فروقٍ كثيرة، قد يفضل في الإفراديات الشرقي على الغربي، وفي الاجتماعيات يفضل الغربي على الشرقي مطلقاً. مثال ذلك: الغربيون يستحلفون أميرهم على الصداقة في خدمته لهم والتزام القانون. والسلطان الشرقي يستحلف الرعية على الانقياد والطاعة! الغربيون يَمنّون على ملوكهم بما يرتزقون من فضلاتهم، والأمراء الشرقيون يتكرَّمون على من شاؤوا بإجراء أموالهم عليهم صدقات! الغربي يعتبر نفسه مالكاً لجزءٍ مشاع من وطنه، والشرقيّ يعتبر نفسه وأولاده وما في يديه ملكاً لأميره! الغربي له على أميره حقوق، وليس عليه حقوق؛ والشرقي عليه لأميره حقوق وليس له حقوق! الغربيون يضعون قانوناً لأميرهم يسري عليه، والشرقيون يسيرون على قانون مشيئة أمرائهم! الغربيون قضاؤهم وقدرهم من الله؛ والشرقيون قضاؤهم وقدرهم ما يصدر من بين شفتي المستعبدين! الشرقي سريع التصديق، والغربي ينفي ولا يثبت حتى يرى ويلمس. الشرقي أكثر ما يغار على الفروج كأنَّ شرفه كلّه مستودَعٌ فيها، والغربي أكثر ما يغار على حريته واستقلاله! الشرقي حريصٌ على الدين والرياء فيه، والغربي حريصٌ على القوة والعزّ والمزيد فيهما! والخلاصة: أنَّ الشرقي ابن الماضي والخيال، والغربي ابن المستقبل والجد! ...
- كتاب طبائع الاستبداد ص 108 الخ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق