وفي سنة 913 وقعت واقعة تسببت في أن يتعرض عبد البر ابن الشحنة لمزيد من الطعن والتشنيع، وذلك عندما هجاه جمال الدين يوسف السَلَموني، أشعر شعراء مصر في ذلك الوقت، والذي كان هجَّاء بالغ الهجاء، فتصادف أنه هجا القاضي معين الدين بن شمس وكيل بيت المال هجواً فاحشاً، فشكاه معين الدين إلى السلطان قانصوه الغوري، فقال له: إن وجب عليه شيء في الشرع؛ أدَّبه. فنزل من عند السلطان، ومسك السلموني في الحديد، وأتى به إلى بيت القاضي عبد البر ابن الشحنة، وادعى عليه، فضربه عبد البر وعزره وأشهره على حمار، وهو مكشوف الرأس، وكان السلطان على علاقة ودية بالشاعر الهجاء السلموني، فلما بلغه ما فعله ابن شمس بالسلموني شق عليه ذلك، وأمر بسجنه ولوح بقطع لسانه عقوبة على قوله أن السلطان رسم لي بأني أشهِّر السلموني، ولم يكن السلطان رسم بذلك، واستمر ابن شمس في السجن مدة طويلة حتى أرضى السلطان بمال وفير، فرضي عنه، وألبس خلعة، ثم إن السلموني هجا القاضي عبد البر بقصيدة طويلة أفحش فيها، مطلعها:
فشا الزور في مصر، وفي جنباتها ... لم لا وعبد البر قاضي قضاتها؟!
أينكر في الأحكام زور وباطل ... وأحكامه فيها بمختلفاتها
إذا جاءه الدينار من وجه رشوة ... يرى أنه حل على شبهاتها
ألست ترى الأوقاف كيف تبدلت ... وكانت على تقديرها وثباتها
وقد وثبت فيها قضاياه بالأذى ... وبالبيع مثل الأُسد في وثباتها
فماذا على الإسلام حلَّ من الردى ... بأيام عبد البر مع سنواتها!
فشكاه عبد البر إلى السلطان، فأحضر السلطان الشيخ جمال الدين السلموني ووبخه، فأنكر أنه نظم هذه القصيدة كلها، ولكن أقيمت عليه البينة، وشهد الشهود، فأمر السلطان بقيده وسجنه بالمدرسة الصالحية، ثم أراد القضاة - انتصارا لزميلهم - أن يضربوا هذا الشاعر بالسياط، ويشهروه في القاهرة ثانيا، فعلم جماعة من العوام بذلك، وكان للسلموني محبة بين العامة، فتعرضوا للقضاة وهددوهم بالأذى، وجمعوا الحجارة في أكمامهم، وهموا برجم القاضي عبد البر، وهو في طريقه، فاضطر إلى العفو عن الشاعر دون أن يعزره أو يشهره، ولكنه بقي في السجن 9 شهور حتى أطلقه السلطان بمناسبة شهر رمضان.
---
---
646 - يوسف السلموني: يوسف، الشيخ الفاضل جمال الدين السلموني شاعر مصر وأديبها. كان هجاء بالغ الهجاء، ووقع له واقعة بسبب ذلك في سنة إحدى عشرة وتسعمائة، وهي أنه هجا القاضي معين الدين بن شمس وكيل بيت المال بمصر هجواً فاحشاً منه هذا البيت:
وحرفته فاقت على كل حرفة ... يركب ياقوتاً على فص خاتمه
فلما بلغ معين الدين ذلك شكا السلموني إلى السلطان الغوري، فقال: إن وجب عليه شيء في الشرع أدبه، فنزل من عند السلطان، ومسك السلموني في الحديد، وأتى به إلى بيت القاضي سري الدين عبد البر بن الشحنة، وادعى عليه، فضربه عبد البر وعزره وأشهره على حمار، وهو مكشوف الرأس، وقد ورد أن سيدنا عمر ابن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أول من عاقب على الهجاء، وقال بعض فضلاء مصر في واقعة السلموني:
وشاعر قد هجا شخصاً فحل به ... من حاكم الشرع توبيخ وتعزير
فأشهروه وجازوه بفعلته ... تباً له شاعر بالهجو مشهور
فلما بلغ السلطان ما فعله ابن شمس بالسلموني شق عليه ذلك، وأمر بقطع لسانه، فإنه قال: رسم السلطان لي بأني أشهر السلموني، ولم يكن السلطان رسم بذلك، واستمر ابن شمس في الترسيم مدة طويلة حتى أرضى السلطان بمال له صورة، فرضي عنه، وألبس خلعة، ثم أن السلموني هجا القاضي عبد البر بقصيدة طويلة أفحش فيها مطلعها:
فشا الزور في مصر، وفي جنباتها ... ولم لا وعبد البر قاضي قضاتها؟!
وذكر الحمصي في تاريخه في شوال سنة عشر وتسعمائة أن الجمال السلموني جاء إلى بيت القاضي شهاب الدين بن الفوفور ليسلم عليه، فمنعه عز الدين القسلتي من الدخول، فغضب وكتب رقعة وجهزها للقاضي، وفيها هذه الأبيات:
ببابكم كلب عقور مسلط ... عديم الحيا والعقل في البعد والقرب
أقمتوه صداً للفقير ملالة ... ولم تذكروا بين الورى نعم الرب
يظن بجهل منه أن مجيئنا ... إليكم لأجل النيل والأكل والشرب
ولم يعلم المفتون أن نفوسنا ... لها شرف يسمو على السبعة الشهب
وليس الغنى بالمال قال نبينا ... ولكن غناء النفس مع عدم الكسب
وما جئتكم والله إلا مهنئاً ... لأني من بعض المحبين والصحب
تذكرت لما أن أتيت وصدني ... مقالة بعض الناس في معرض العتب
ومن يربط الكلب العقور ببابه ... فإن بلاء الناس من رابط الكلب
وحرفته فاقت على كل حرفة ... يركب ياقوتاً على فص خاتمه
فلما بلغ معين الدين ذلك شكا السلموني إلى السلطان الغوري، فقال: إن وجب عليه شيء في الشرع أدبه، فنزل من عند السلطان، ومسك السلموني في الحديد، وأتى به إلى بيت القاضي سري الدين عبد البر بن الشحنة، وادعى عليه، فضربه عبد البر وعزره وأشهره على حمار، وهو مكشوف الرأس، وقد ورد أن سيدنا عمر ابن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أول من عاقب على الهجاء، وقال بعض فضلاء مصر في واقعة السلموني:
وشاعر قد هجا شخصاً فحل به ... من حاكم الشرع توبيخ وتعزير
فأشهروه وجازوه بفعلته ... تباً له شاعر بالهجو مشهور
فلما بلغ السلطان ما فعله ابن شمس بالسلموني شق عليه ذلك، وأمر بقطع لسانه، فإنه قال: رسم السلطان لي بأني أشهر السلموني، ولم يكن السلطان رسم بذلك، واستمر ابن شمس في الترسيم مدة طويلة حتى أرضى السلطان بمال له صورة، فرضي عنه، وألبس خلعة، ثم أن السلموني هجا القاضي عبد البر بقصيدة طويلة أفحش فيها مطلعها:
فشا الزور في مصر، وفي جنباتها ... ولم لا وعبد البر قاضي قضاتها؟!
وذكر الحمصي في تاريخه في شوال سنة عشر وتسعمائة أن الجمال السلموني جاء إلى بيت القاضي شهاب الدين بن الفوفور ليسلم عليه، فمنعه عز الدين القسلتي من الدخول، فغضب وكتب رقعة وجهزها للقاضي، وفيها هذه الأبيات:
ببابكم كلب عقور مسلط ... عديم الحيا والعقل في البعد والقرب
أقمتوه صداً للفقير ملالة ... ولم تذكروا بين الورى نعم الرب
يظن بجهل منه أن مجيئنا ... إليكم لأجل النيل والأكل والشرب
ولم يعلم المفتون أن نفوسنا ... لها شرف يسمو على السبعة الشهب
وليس الغنى بالمال قال نبينا ... ولكن غناء النفس مع عدم الكسب
وما جئتكم والله إلا مهنئاً ... لأني من بعض المحبين والصحب
تذكرت لما أن أتيت وصدني ... مقالة بعض الناس في معرض العتب
ومن يربط الكلب العقور ببابه ... فإن بلاء الناس من رابط الكلب
راجع : الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة لـ النجم الغزي