من كتاب العواصم من القواصم في الذب عن سنة أبي القاسم لابن الوزير اليماني
ولما انقطع الإمام محمد بنُ إبراهيم الوزير للكتاب والسنة، واشتغل بعلومهما، وامتلأت جوانِحُه بحُبِّهما أنشأ سنة 808 قصيدة دالية طويلة يفخر ويعتز بتمسكه بهما وحدَهما، وبحبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
ظَلت عَواذِلُه تَروح وَتَغْتدي ... وَتعيد تعنِيفَ المُحِبِّ وتَبْتَدِي
واللوْمُ لَا يَثني المحِبَّ عَنِ الهَوَى ... ويَزيدُ تَوليعَ الفُؤَادِ المُعمَدِ
إنَّ المُحِبَّ عن المَلامَةِ في الهوَى ... في شَاغِل لولا اللوائِمُ يَغْتَدي
ألهى المُحِبَّ عن الملام وَصَدِّه ... بينَ الجوَانِحِ لوعَةٌ لم تَبْردِ
وَخُفوقُ قلْبٍ لا يقرُّ قَرَارُه ... وسُفُوحُ دمعٍ صَوْبُه لَمْ يَجْمَدِ
ولما انقطع الإمام محمد بنُ إبراهيم الوزير للكتاب والسنة، واشتغل بعلومهما، وامتلأت جوانِحُه بحُبِّهما أنشأ سنة 808 قصيدة دالية طويلة يفخر ويعتز بتمسكه بهما وحدَهما، وبحبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
ظَلت عَواذِلُه تَروح وَتَغْتدي ... وَتعيد تعنِيفَ المُحِبِّ وتَبْتَدِي
واللوْمُ لَا يَثني المحِبَّ عَنِ الهَوَى ... ويَزيدُ تَوليعَ الفُؤَادِ المُعمَدِ
إنَّ المُحِبَّ عن المَلامَةِ في الهوَى ... في شَاغِل لولا اللوائِمُ يَغْتَدي
ألهى المُحِبَّ عن الملام وَصَدِّه ... بينَ الجوَانِحِ لوعَةٌ لم تَبْردِ
وَخُفوقُ قلْبٍ لا يقرُّ قَرَارُه ... وسُفُوحُ دمعٍ صَوْبُه لَمْ يَجْمَدِ
قُلْ للعذُولِ: أفِقْ فلسْت بمُنتَهٍ ... عَنْ حُبِّ أكمَل مَنْ تحلى فابعَدِ
لو لُمتنِي في الغَوْر لَمْ أشتقْ إلى ... شطيهِ أو في نَجْدِهِمْ لَم أُنجِدِ
أوْ كان لَوْمُكَ في التصَابِي مَا صَبا ... قَلبي، ولا غلبَ الغَرَام تجلدِي
أو لمْتَنِي في اللهو لَم أطْرب إلى ... نغمِ الغناءِ مِن الغَرِيضِ ومَعْبدِ
أوْ لُمْتني في المَال لَم يَسْتَهْوني ... نظَرُ اللُّجَيْنِ ؤلاَ نُضَار العسْجَد
أوْ لُمْتنِي فِي غَيْرِ حُبَّ مُحَمدٍ ... لَحَسبْتَ أنكَ بالنصِيحَة مُرْشِدِي
أو لَو أريت مَحَبة مثلاً لَهُ ... لِلمُهتدِي والمُرْتَجي والمُجْتدي
يهْديه أوْ يُجْديه أو يُغنِيه عَنْ ... نُور الرسُولِ الصادعِ المُتوقدِ
هَيهات ما ابْتهج الوُجودُ بِمثلِهِ ... فَدعِ اللجاجَ فَمِثلُه لمْ يُوجَدِ
يَا صَاحبى على الصبابَة في الهَوى ... منْ مِنْكُمَا في حُب أحْمد مُسْعِدِي؟
حَسبِي بأني قدْ شُهِرتُ بحُبِّهِ ... شَرَفاً بِبُرْدَتِه الجَميلة أرتدِي
لِي باسْمِه وَبِحُبهِ وبقُرْبِهِ ... ذِمَمٌ عظَامٌ قَدْ شَدَدْتُ بها يدي
وَمحمد أوْفى الخَلائقِ ذمةً ... فلْتَبْلُغَنَّ بِي الأمانِي في غَدِ
يا قلْبُ لا تَسْتبعِدَنَّ لقَاءَه ... ثِقْ باللقَاءِ وبالْوَفَا فكَأنْ قدِ
يا حَبذَا يَوْمُ القيامَة شُهْرتي ... بيْنَ الخلائق في المَقَام الأحْمَدِ
بِمَحَبتي سُنَنَ الرسُولِ وإنَّني ... فيهَا عَصَيْتُ مُعَنِّفِي ومُفَندي
وَتركْت فيهَا جِيرَتِي وَعشيرَتي ... ومَحَل أترَابِي وَموضِع مولدِي
فَلأَشكُوَن علَيه شكوى موجِعٍ ... مُتَظلًمٍ مُتَجرم مسْتنْجِدِ
مما لقيتُ مِنَ المتاعِبِ والأذَى ... في حبه من ظَالِمِي وحُسَّدي
وأقولُ: أنْجدْ صادِقاً في حُبه ... منْ يُنجِدُ المَظلُومَ إن لم يُنجدِ؟
إني أحِب محَمداً فَوْق الورى ... وَبِهِ كَمَا فَعلَ الأوائِلُ أقتَدِي
فقَدْ انْقَضَتْ خَيْرُ القُرونِ وَلمْ يَكنْ ... فِيهِم بغَيْرِ مُحَمد منْ يهْتدي
وأُحِب آلَ مُحَمدٍ نَفسي الفِدى ... لهُم فما أحدٌ كآل مُحمَّدِ
همْ بابُ حِطة والسفِينَةُ والهُدَى ... فِيهم، وهم للظالِمِينَ بِمَرْصدِ
وَهم النجومُ لِخير مُتعبدِ ... وهُمُ الرجُومُ لكل مَنْ لم يعبُدِ
وهمُ الأمانُ لِكُل مَنْ تَحْت السمَا ... وَجزَاءُ أحْمدَ ودهُمْ فتوددِ
والقَوْم والقرآنُ فاعرِفْ فضْلَهم ... ثَقَلانِ للثَّقلين نصُّ مُحَمدِ
وَلَهُم فَضائلُ لست أُحصِي عَدهَا ... منْ رَام عدَّ الشُّهبِ لم تَتعَدد
وَكَفى لَهُم شَرَفاً وَمَجْدَاً باذِخَاً ... شرعُ الصلاةِ لَهُم بكلِّ تشُّهدِ
سَنوا متَاَبعةَ النَّبي، وَلم يَكنْ ... لَهُمُ غرَام بِالمَذاهِبِ عَنْ يَدِ
قَدْ خَالَفُوا آباءهُمْ جهَراً وَلم ... يتقَيَّدُوا إلا بسنة أحْمَد
أو لَم يَشِعْ مَا بَين آلِ مُحمدٍ ... ذكرُ الخِلاف لِمُغْوِرِين ومُنْجِدِ
قَدْ خَالَفَ الهادي بنوهُ لصلْبهِ ... مَع قربهم كمُحَمدٍ وكأحمَد
والسيدَانِ على اتباعِ نصُوصِهِ ... قدْ خَالَفا ما نصَّه بتعَمدِ
بَلْ حرم الجُمْهُورُ مِنْ سادَاتهمْ ... تَقلِيد موْتَاهُم بِغَيْر تَردُّد
ذَا مَذْهَبُ الجمْهور فيما قَالَه ... يَحيى بنُ حَمزة وهوَ أوثقُ مُسندِ
وكذا ابن زيدٍ قال ذَاك وغيْره ... وهُو اختِيارُ الناطق المُتَشَددِ
واسْأل كتاب العِقدِ (1) عما قُلت والـ ... ـمجزي (2) وسائِلْ منْ بَدَا لَكَ وَانشُدِ
وانظُرْ إلى إنصَاف أهل البَيتِ لَم ... يَغْلُوا وَلَم يتعَصبُوا في مَقصدِ
بَلْ خالَفُوا آباءَهُمْ وَتَبَينوا ... وَجْه الصوابِ تَحَرياً لِلأرشَدِ
وَأنا اقتَدَيتُ بهم فأنكر قُدْوتِي ... من طُغمة (3) الغوغاءِ كُل مُبلَّد
قَالوا: نقَلدُهمْ وإنْ مَاتُوا عَلَى ... رأي المؤيدِ ذِي العُلُوم الأوحدِ
قلنا لهم: لَسنا نَعيبُ عَلَيْكُمُ ... مَنْ قلَّدَ الأموَاتَ فَهْوَ مؤَيَّدُ
همْ قَلدُوهمْ واقتَديتُ بهِمْ وَكَمْ ... بَينَ المُقَلد فِي الهَوَى والمُقتدِي؟
مَنْ قَلَّدَ النُّعمانَ أمْسَى شَارباً ... لمُثَلَّثٍ نَجِسٍ خَبِيثٍ مُزبِدِ
وَلَوِ اقْتَدَى بأبي حنيفَةَ لَم يكُن ... إلاَّ إماماً خاشعاً في المَسْجِدِ
ومَنِ اهتدَى فَقدِ اهْتدَى نصاً وإجـ ... ـماعاً وليسَ كذاك من لم يَقْتَدِ
والكُل مُخْتَارٌ لأِقوَم منهَجٍ ... فِيمَا تَحراة وأعذب مورِد
والكُلُّ إخْوانٌ وَدِينٌ وَاحِدٌ ... كُلٌّ مُصِيب في الفُرُوع وَمُهتَدِي
هذي الفرُوع وفي الأصُولِ عَقِيدتي ... مَا لا يُخَالِفُ فيهِ كُلُّ مُوَحِّدِ
دِيني كأهلِ البيت ديناً قيماً ... متَنَزَّهاً عَنْ كلِّ مُعتَقدٍ رَدِي
لكننِي أرضى العتِيقَ (1) وأحتمي ... مِن كلِّ قولٍ حَادِثٍ متَجَددِ
إنَّ السَّلامةَ في العَتِيقِ وإنَّهُ ... كَالشمسِ واضِحةً لِعَينِ المُهتدِي
وَيشُكُّ فيه ذوو الجهالَةِ والعَمَى ... والشمسُ لا تَبدُو لِعَينِ الأرمَدِ
ويصد عَنهُ منْ يصعد (2) فِكرَهُ ... في الغَامِضاتِ وعِلمِ كُلِّ مُسوَّدِ
ما كان للإسلام وقت مُحَمدٍ ... دَرْس سِوَى القُرآن لِلمُتَعَبِّدِ
وَدَعَائِمُ الإسلام كانَت وَقته ... خَمساً يُعَدِّدُها لِكُلِّ مُشهدِ
فَلأيِّ شيءٍ كان من لم يَعْتَمِدْ ... دَرْسَ الأدِلَّة كافِراً كَالمُلحِدِ
مَا عِندهمْ فِي كلِّ برٍ عَابِدٍ ... مُتألِّهٍ متَفَرِّدٍ متجَرِّدِ
لا يعرفُ الأعرَاض لا لَفظاً ولا ... مَعنى يُكفِّرُ كالذي لَم يسْجُدِ؟
كلاَّ، وَرَبِّ مُحمد مَا دِينهُ ... يَقْضِي بِكُفْر التائِب المتَهجِّدِ
إلا الذي تَركَ الشرَائِع جَاحِداً ... لِلدِّينِ كالمُرْتَدِّ والمُتَهَوِّدِ
قَالوا: الأدِلَّة لَيس تخْفَى جُمْلَةً ... قُلْنَا لَهُم: ذا قَوْل مَنْ لَم يَنْقُدِ
إنْ كانَ لِلإسْلام عَشرُ دَعَائِمٍ ... فانقُصْ مِنَ العَشرِ الدَّعَائِم أوْ زدِ
تَجِدِ الزِّيَادَة في الدَّلِيلِ مُحَالَةً ... والنَّقص لِلبُرهَانِ أعظمُ مُفسِدِ
يا لائِمي في مذْهَبي باللهِ قُلْ ... لِم زِدتَ فِي الإسلام مَا لَم يُعهَدِ
ما لِلسنينَ قَضَت ولَم ينْطِق بِذَا ... خيرُ البَرِيِّةِ مَرةً فَي مَشهَدِ؟
أوَ لَم يكنْ أوْلَى بِتَبيينِ الهُدَى ... وَالمُشكِلاتِ ِلأَحْمَرٍ ولأسْودِ
مَا كان أحْمَدُ في المِرا مُتَدَرِّباً ... كلاَّ، وَلا للمُشكِلاتِ بِمُورِدِ
بَلْ كَان يَأمُرُ بِالجِهَادِ لكُلِّ مَنْ ... جَحَدَ الدليل وكُلِّ بَاغٍ مُعْتدِ
حتى اسْتَقَامَ الدِّينُ وانتعَشَ الهُدَى ... بالمَشْرَفِيةِ والقَنَا المتَقَصدِ
قَامَت شَرِيعَتُهُ لِكلِّ مُجَرّبٍ ... ماضِي المَضارِب لا يَكِلُّ مُجَلّدِ
وكذَاكَ أهلُ البيت مَا زَالُوا علَى ... منهَاجِه مِنْ قَائِمٍ أوْ سيِّدِ
واقْرَ المُهَذبَ تَلْقَ ما أطْلَقتُهُ ... قَدْ نَصَّهُ المَنصُورُ (1) غَيْرَ مُقَيَّدِ
وَاقْرَأ كِتَابَ الجَامع الكَافِي (2) عَلَى ... نَهْجِ الأوائِل إنَّه يُروِي الصَّدِي
إذ لَم يَكنْ سَلفٌ سِوَى أرْبابِهِ ... لِلمُدَّعِي لِولاَءِ عِتْرةِ أحْمَدِ
وَكذلِكَ الرسِيُّ دَانَ وإنَّهُ ... هُو فِي نُجُومِ الآل مِثلُ الفَرْقَدِ
وَكذَا المُؤَيَّدُ (3) قال ذَاك مُصَرِّحاً ... وَأرى ابْنَ حمْزَةَ فيهِ لَمْ يَتَردَّدِ
وَكذاكَ يحيى (4) نَجْمُ آلِ مُفَضَّلِ ... أعني ابْنَ منْضورٍ كَرِيم المَحْتدِ
قدْ قَال ذاكَ ولمْ يَزلْ بلزُومهِ ... يُوصِي، وَمِن شِعْرٍ لَهُ في المَقْصِدِ
يَكْفِيكَ مِنْ جِهَةِ العقِيدَةِ مُسْلِمٌ ... وَمن الإضافةِ حَيْدَرِيٌّ أحْمَدِي
وكَذاكَ شَيَّدَ ذَا سُلالَةُ قَاسِمِ ... يحيى الأخير الحِبْرُ أي مُشَيّدِ
وكذا إبنُ زيدٍ (5) في المَحَجَّةِ نَصُّه ... رأسُ التشيعِ قدوةُ المسترشِدِ
وإمام (1) بغداد تَوَدَّدَ أَنَّهُ ... لَم يَعرِفِ التدقِيقَ أيَّ تَوَدُّدِ
وابنُ الخَطِيب (2) وَحُجَّة الإسلامِ (3) قَدْ ... خَمَدَا وَنَارُ ذَكاهُمَا لَمْ تَخْمُدِ
تَابَا وَلكنْ بَعدَ أَن سَلاَّ عَلَى الـ ... إسلامِ سيفاً مَا أرَاهُ يُغْمَدِ
وَبِذَا اكْتَفَى آلُ الرسُولِ ومَنْ ثَوَى ... عنْد الحَجونِ وفي بقِيعِ الغَرْقَدِ
وَكذَا الصحَابَةُ والذِينَ يَلُونَهُمْ ... سَلْ كُل تارِيخٍ بذَاكَ وَمُسْنَدِ
وَكذَلِكَ الفقَهَاءُ قالوا وَامتحِنْ ... قَوْلي وسَل كُتُبَ الترَاجِمِ وانْقُدِ
مَا كنْتُ بِدْعاً في الذِي قَدْ قُلتُهُ ... يا لائمي فَدَعِ الغَوَاية تَرْشُدِ
وإذَا أبَيْتَ وكُنتَ لا تَدري فقُمْ ... عنْ مَجْلِسِ العُلَمَا وَقِفْ بِالمِربَدِ
فَلأجْهَرَنَّ بِما عَلِمتُ فإنْ أعِشْ ... أنصَحْ وإن أقضِي فغَيرُ مُخَلَّدِ
هذَا ومَا اختَرْت العتيق لِحيرتي ... في الغَامِضَاتِ، ولا لِفَرْطِ تَبلُّدِ
فأنَا الذِي أفْنَيتُ شرْخَ شَبيبَتِي ... في بَحثِ كُلِّ مُحَقق وَمُجَوِّدِ
والإفتِخَارُ مَذَمَّةٌ منِّي فسَلْ ... عَنِي المَشَايخَ فَالمَشَايِخُ شُهَّدِي
وإذَا أتتْكَ مَذمتِي مِنْ نَاقِصٍ ... فَافهم فَتِلكَ كنَايَةُ عَنْ سُؤدُدي
وإذَا شككتَ بأنَّ تِلك فَضِيلةٌ ... فاسْتَقْرِ -وَيْحَكَ- وَصفَ كُلِّ مُحَسَّدِ
فلِحُسَّدِي مَا في الضَّمَائِر مِنهُمُ ... أبَداً وَلي مَا هُمْ عَلَيهِ حُسَّدِي
__________
(1) أبو القاسم البلخي.
(2) الإمام الرازي.
(3) الإمام الغزالي.
__________
(1) هو عبد الله بن حمزة.
(2) هو لمحمد بن علي العلوي.
(3) المؤيد الهاروني.
(4) يحيى بن منصور من اعلام آل الوزير.
(5) القاضي عبد الله بن زيد العنسي المتوفي سنة 667.
__________
(1) المراد بالعتيق هنا أقوال أهل البيت المتقدمة على ما تضمنه (الجامع الكافي) والله أعلم. طبقات الزيدية ليحيى بن الحسين.
(2) هكذا وردت الكلمة وفي نسخة يضغد.
__________
(1) هو ليحيى القرشي.
(2) هو للسيد أبي طالب يحيى بن الحسين الهاروني.
(3) هكذا وردت الكلمة في الأصل وفي نسخة ضمخة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق