يما يلي نص رسالة السُلطان مُحمَّد الفاتح، سابع سلاطين الدولة العُثمانيَّة، إلى سُلطان مصر والشَّام المملوكي، الملك الأشرف سيف الدين إينال العلائي، المُرسلة لتبشيره والخليفة العبَّاسي المُقيم بالقاهرة بفتح القُسطنطينيَّة؛ وهي من إنشاء المُلَّا أحمد بن إسماعيل الگوراني:
مُتيمنًا بذكرهِ القديم: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ يحمدُ الله ويُثني عليه عبدهُ المُستبشر بالمُبشرات المُتواترة اللاتي يُنبئن عن استقرار القدم المقدام على سرير السلطنة السامية الباهرة بالدولة العليَّة القاهرة، ألا وهو السُلطان الوالي العالي العالمي المؤيدي المُظفري الظهيري الهمَّامي العوني الغوثي الغيَّاثي الإمامي النظامي الذي أشرقت من أُفق التوفيق شمسُ سلطنته وخفقت راية الإقبال من هُبوب نسيم خِلافته تتطأطأ أعناقُ الجبابرة نحو سُدَّته السُنيَّة ويتكأكأ أقيال الأكاسرة على عتبته العليَّة وبه أضحت عُقودُ حُكمه مُنتظمة وأمور السلطنة مُلتئمة ويتفاخر بوصفه المآثر ويختال بذكره المفاخر، أعني الملكي الألطفي السُلطان الأشرف الأبوي الأعطفي، ضاعف الله مُلكه وسُلطانه وأفاض على العالمين برِّه وإحسانه ولا برح في دولتةٍ لا تنهدمُ دارُها، ونعمةٌ لا تنفصمُ آثارها وسعادةٌ لا تصفرُّ أوراقها وسيادةٌ لا تتغيَّرُ آفاقها، وما انفكَّ بُنودُ الدين بباهر صولته مرفوعة، وأسنَّة الحوادث في نحو أعدائه مكسورة، وجماجم حُسَّاده على رؤوس الأسنَّة منصوبة وتحت الأقدام مخفوضة، ونقول لمَّا تتابعت عندنا الأخبار التي تشتملُ على صعود شمس السلطنة على أوج سرير الخلافة أدامهُ الله وأعلاه وبارك فيه وأبقاه ببركة نبيِّهِ المُجتبى ورسولهِ المُصطفى عليه وعلى من صلة الصلوات أزكاها: مُلئنا بهجةً وسُرورًا وغبطةً وحُبورًا، وأنشدنا بلسان صدقٍ شعرًا:
هنيئـــًا لمصر أنت صرتِ عزيزة | بلوغُ الأماني وابتغاء المحامدِ | |
وتعتدل الأيـــــَّامُ فيها ويُقتنى | صُنوف البرايا منه طرف الفوائدِ | |
فمذ ظهرت فيه عـلايمُ بأسكم | قد التطمت منها رسومُ المفاسدِ |
هذا وأنَّ الولاء والمُواصلة من تكفَّل بمؤنه إحياء نُسك الحج للعباد والعباد وبين من تحمَّل بمشاق تجهيز أهل الغزو والجهاد كما هو المتوارث من الآباء والأجداد أنعمهم الله بنعمة الموعود في المعاد، فالقلبُ مُصممٌ على تأييد تلك القديمة بسلوك طرايق تنسى لطائف أخريها بطيب نعيمها لذايذ أوليها، فبهذا الحبل المتين نحنُ ماسكون وعلى هذا الصراط المُستقيم المُستبين سالكون فشددنا وثاق صدق ذلك المقر العالي أعلاه الله وأسماه وفتحنا أبواب المُراسلة وقدمنا أسباب المُواصلة وأهدينا طرايف التسليمات السليمات عن شوايب الرياء والرعونات وأتحفنا لطايف التحيَّات المنورات بنور الإخلاص المُجلَّاة بالولاء والاختصاص المُزهرات بصدق الطوية رياضها المُترعات من زلال المحبة حياضُها، ورفعنا الأدعية الصالحة المُستجابة والأثنية الفايحة المُستطابة و الأشواق البالغة ذُروة ولأتوق المتوالية بالغدر والآصال وانهينا إلى العلم الكريم محفوفا بما يسرة الله من المطالب البهيَّة والمآرب السُنيَّة، إن من أحسن سُنن أسلافنا - رحمهم الله - أنهم مُجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ونحنُ على تلك السُنَّة قائمون وعلى تلك الأُمنية دائمون ممتثلين بقوله : ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ مُستمسكين بقوله : «مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ». فهممنا هذا العام عمَّمهُ الله بالبركة والإنعام مُعتصمين بحبل ذي الجلال والإكرام ومُستمسكين بفضل الملك العلَّام، إلى أداء فرض العزاء في الإسلام مؤتمرين بأمره : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّار﴾ وجهَّزنا عساكر الغُزاة والمُجاهدين من البرِّ والبحر، لفتح مدينة مُلئت فُجورًا وكُفرًا. والتي بقيت وسط الممالك الإسلاميَّة تُباهي بكُفرها فخرًا:
فكأنَّها حصفٌ على الخدَّ الأغرِّ | وكأنَّها كلفٌ على وجهِ القمرِ |
وهي مُحصَّنةٌ صعب المرام شامخة الأركان راسخة البُنيان مملوءة من المُشركين الشُجعان خذ لهم أينما كا نوا وهم مُستكبرون على أهل الشُرك والطُغيان، وحصنٌ مُحصَّنٌ مُسددٌ مُشددٌ مُشيَّدٌ مُنسَّقُ النظام ما ظفر به أسلافُنا العظام هؤلاء السلاطين الأساطين الفخام مع أنهم جاهدوا حقَّ الجهاد ولم ينالوا بها نيلًا، وهي قلعةٌ عظيمةٌ مُشتهرةٌ في ألسنة الأرض بإسم القُسطنطينيَّة ولا يبعدُ من أن تكون هي التي نطق بها صحاح الأحاديث النبويَّة والأخبار المصطفويَّة عليه وعلى آله أتمَّ الصلاة والتحيَّة. فيفتحون قُسطنطينيَّة فبينما هم يقتسمون الغنايم قد علقوا سيوفهم بالزيتون... الحديث؛ وغير هذا من الصِّحاح المشهورة هي هذة المدينة الواقع جانب منها فى البحر وجانب منها فى البر فأعددنا لها كما أمرنا الله بقولة: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ كُلُّ أهبةٍ يعتدُّ بها وجميعُ أسلحةٍ يُعتمد من البرق والرعد والمنجنيق والنقب والجحور وغيرها من جانب البر والفُلك المشحون والجوار المُنشآت فى البحر كالأعلام من جانب البحر، ونزلنا عليها في السَّادس والعشرين من ربيع الأول من شهور سنة سبع وخمسين وثمانمائة.
فقلتُ للنقسِ جدّي الآن فاجتهدي | وساعديني فهذا ما تمنيتِ |
فكُلَّما دعوا إلى الحق أصرَّوا واستكبروا وكانوا من الكافرين فأحطنا بها مُحاصرةً وحاربناهم وحاربونا وقاتلناهم وقاتلونا وجرى بيننا وبينهم القتال أربعة وخمسين يومًا وليلة.
إذا جاء نصرُ الله والفتحُ هيِّن | على المرءُ معسورُ الأمور وصعبها |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق