الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

رسالة الإمام أحمد لــ أمير المؤمنين المتوكل في مسألة القرآن بعد رفع المحنة


فقد أخرج الرسالة الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء ج11 وتاريخ الإسلام ج 18 ص 132-136 ، وهي من طريق أبي نعيم في الحلية وهي في مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي .... والنقل هنا من تاريخ الإسلام للذهبي قال: أنبئت عمن سمع أبا علي الحداد، أنا أبو نعيم في الحلية، ثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: كتب عبيد الله بن يحيى إلى أبي يخبره أن أمير المؤمنين أمرني أن أكتب إليك فأسألك عن أمر القرآن، لا مسألة امتحان، ولكن مسألة معرفة وتبصرة.
فأملى علي أبي رحمه الله إلى عبيد الله بن يحيى وحدي ما معي أحد: بسم الله الرحمن الرحيم، أحسن الله عاقبتك أبا الحسن في الأمور كلها، ودفع عنك مكاره الدنيا والآخرة برحمته. قد كتبت إليك رضي الله عنك بالذي سأل أمير المؤمنين بأمر القرآن بما حضرني. وإني أسأل الله أن يديم توفيق أمير المؤمنين، فقد كان الناس في خوض من الباطل واختلاف شديد ينغمسون فيه، حتى أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين، فنفى الله بأمير المؤمنين كل بدعة، وانجلى عن الناس ما كانوا فيه من الذل وضيق المجالس، فصرف الله ذلك كله وذهب به بأمير المؤمنين، ووقع ذلك من المسلمين موقعا عظيما، ودعوا الله لأمير المؤمنين وأن يزيد في نيته، وأن يعينه على ما هو عليه. فقد ذكر عن عبد الله بن عباس أنه قال: لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم.
وذكر عن عبد الله بن عمرو أن نفرا كانوا جلوسا بباب النبي صلى الله عليه وسلم. فقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وقال بعضهم: ألم يقل الله كذا فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج كأنما فقيء في وجهه حب الرمان وقال: أبهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض إنما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا. إنكم لستم مما ههنا في شيء. انظروا الذي أمرتم فأعملوا به، وانظروا الذي نهيتم عنه، فآنتهوا عنه.1
وروي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مراء في القرآن كفر.
وروي عن أبي جهم، رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تماروا في القرآن، فإن مراء فيه كفر.2
وقال ابن عباس: قدم على عمر بن الخطاب رجل، فجعل عمر يسأله عن الناس، فقال: يا أمير المؤمنين قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا. فقال ابن عباس: فقلت: والله ما أحب أن يتسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة.) قال: فزبرني عمر وقال: مه. فآنطلقت إلى منزلي مكتئبا حزينا، فبينا أنا كذلك إذ أتاني رجل فقال: أجب أمير المؤمنين. فخرجت فإذا هو بالباب ينتظرني، فأخذ بيدي، فخلا بي وقال: ما الذي كرهت قلت: يا أمير المؤمنين متى يتسارعوا هذه المسارعة يحتقوا، ومتى ما يحتقوا يختصموا، ومتى ما يختصموا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا. قال: لله أبوك، والله إن كنت لأكتمها الناس حتى جئت بها.
وروي عن جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول: هل من رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي.3
وروي عن جبير بن نفير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم لن ترجعوا إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه، يعني القرآن.4
وروي عن ابن مسعود أنه قال: جردوا القرآن ولا تكتبوا فيه شيئا إلا كلام الله عز وجل.6
وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: إن هذا القرآن كلام الله، فضعوه مواضعه.
وقال رجل لحسن البصري: يا أبا سعيد، إني إذا قرأت كتاب الله وتدبرته كدت أن آيس، وينقطع رجائي. فقال: إن القرآن كلام الله، وأعمال ابن آدم إلى الضعف والتقصير، فآعمل وأبشر.
وقال فروة بن نوفل الأشجعي: كنت جارا لخباب، وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فخرجت معه يوما من المسجد وهو آخذ بيدي فقال: يا هناه، تقرب إلى الله بما استطعت، فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه.
وقال رجل للحكم بن عتيبة: ما يحمل أهل الأهواء على هذا قال: الخصومات.
وقال معاوية بن قرد وكان أبوه ممن أتى النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم وهذه الخصومات فإنما تحبط الأعمال.
وقال أبو قلابة وكان قد أدرك غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجالسوا أهل الأهواء، وقال: أصحاب الخصومات، فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، ويلبسوا عليكم بعض ما تعرفون.
ودخل رجلان من أصحاب الأهواء على محمد بن سيرين فقالا: يا أبا بكر نحدثك بحديث قال: لا. قالا: فنقرأ عليك آية قال: لا، لتقومان عني أو لأقومنه. فقاما.
فقال بعض القوم: يا أبا بكر، وما عليك أن يقرأآ عليك آية قال: إني خشيت أن يقرأآ علي آية فيحرفانها، فيقر ذلك في قلبي، ولو أعلم أني أكون مثلي الساعة لتركتهما.
وقال رجل من أهل البدع لأيوب السختياني: يا أبا بكر أسألك عن كلمة، فولى وهو يقول بيده: ولا نصف كلمة.
وقال ابن طاووس لابن له يكلمه رجل من أهل البدع: يا بني، أدخل إصبعيك في أذنيك حتى لا تسمع ما يقول. ثم أشدد أشدد.
وقال عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل.
وقال إبراهيم النخعي: إن القوم لم يدخر عنهم شيء خبئ لكم لفضل عندكم.
وكان الحسن رحمه الله يقول: شر داء خالط قلبا، يعني: الأهواء.
وقال حذيفة بن اليمان: اتقوا الله، وخذوا طريق من كان قبلكم، والله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقا بعيدا، ولئن تركتموه يمينا وشمالا فقد ضللتم ضلالا بعيدا، أو قال: مبينا.
قال أبي: وإنما تركت ذكر الأسانيد لما تقدم من اليمين التي قد حلفت بها مما قد علمه أمير المؤمنين. لولا ذاك ذكرتها بأسانيدها.
وقد قال الله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ )التوبة6
وقال: (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )الأعراف54 ، فأخبر بالخلق. ثم قال: والأمر فأخبر أن الأمر غير الخلق.
وقال عز وجل: (الرَّحْمَنُ{1} عَلَّمَ الْقُرْآنَ{2} خَلَقَ الْإِنسَانَ{3} عَلَّمَهُ الْبَيَانَ{4} ) فأخبر أن القرآن من علمه.
وقال تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ )البقرة120
وقال:( وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ )البقرة145
 وقال تعالى:( وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ )الرعد37
فلقرآن من علم الله. وفي هذه الآيات دليل على الذي جاءه هو القرآن، لقوله: ولئن آتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم.)
وقد روي عن غير واحد ممن مضى من سلفنا أنهم كانوا يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق. وهو الذي أذهب إليه. لست بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شيء من هذا، إلا ما كان في كتاب الله، أو في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أصحابه، أو عن التابعين. فأما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود.اهــ
 قلت(الإمام الذهبي): رواة هذه الرسالة عن أحمد أئمة أثبات، أشهد بالله أنه أملاها على ولده. وأما غيرها من الرسائل المنسوبة إليه كرسالة الإصطخري ففيها نظر. والله أعلم .


التخريج :
1 - رواه الإمام في المسند 6845 وصححه العلامة أحمد شاكر وكذلك العلامة شعيب 
2-المسند 7976 وصححه العلامة أحمد شاكر والشيخ شعيب وهو في المستدرك وصصحه الحاكم ووافقه الذهبي 
3- رواه أبو داود 4734والترمذي2926 وغيرهم وصححه العلامة مقبل بن هادي في الصحيح المسند ، وقال الهيثمي في المجمع 6/38 رجاله ثقات وقال الترمذي حسن صحيح
4- رواه الترمذي 2912 وضعفه العلامة الألباني 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق