هذه القصيدة للشاعر الأديب أبو بكر الحسن بن علي بن بشار بن العلاف البغدادي المقرئ صاحب الدوري ، المتوفى سنة318 هجري، وكان كفيف أديبا طريفا نديما للخليفة المعتضد ، وكان له هر يأنس به ،وكان هر ذو طمع وشره للطعام وكان الهر يدخل أبراج الحمام التي لجيرانه ويأكل أفراخها وكثر ذلك منه فأمسكه أربابها وذبحوه فرثاه بهذه القصيدة التي تعد حوالي 65 بيت يوصف فيها مقتله وكيف العيش من بعده مع الفئران ،وتلك القصيدة في تذوقي الشخصي للشعر من أجمل قصائد الرثاء ، وبعض أرباب الشعر يعتبر أن تلك القصيدة رمزية وقصد بها أحد الوزراء ! قلت هذا بعيد جدا عن ألفاظ ومعاني القصيدة.
يا هر فارقتنا ولم تعد وكنت عندي بمنزل الولد
فكيف ننفك عن هواك وقد صرت لنا عدة من العدد
تطرد عنا الأذى وتحرسنا بالغيب من حية ومن جرد
تخرج الفأر من مكامنها ما بين مفتوحها إلى السدد
يلقاك في البيت منهم مدد أنت تلقاهم بلا مدد
لا عدد كان منك منفلتا منهم ولا واحد من العدد
وكان يجري ولا سداد لهم أمرك في بيتنا على السدد
حتى اعتقدت الأذى لجيرننا ولم تكن للأذى بمعتقد
وحمت حول الردى بظلمهم ومن يحم حول حوضه يرد
وكان قلبي عليك مرتعدا وأنت تنساب غير مرتعد
تدخل برج الحمام متئدا وتبلغ الفرخ غير متئد
وتطرح الريش في الطريق لهم وتبلع اللحم بلع مزدرد
أطعمك الغي لحمها فرأى قتلك أصحابها من الرِِشِد
كادوك دهرا فما وقعت وكم أفلت من كيدهم ولم تكد
حتى إذا داوموك واجتهدوا وساعد النصر كيد مجتهد
صادوك غيظا عليك وانتقموا منك وزادوا ومن يصد يُصد
ثم شفوا بالحديد أنفسهم منك ولم يرعووا إلى أحد
فلم تزل للحمام مرتصدا حتى سقيت الحمام بالرصد
لم يرحموا صوتك الضعيف كما لم ترث منها لصوتها الغرد
كأن حبلا حوى بجودته جيدك للخنق كان من مسد
كأن عيني تراك مضطربا فيه وفي فيك رغوة الزبد
وقد طلبت الخلاص منه فلم تقدر على حيلة ولم تجد
فجدت بالنفس والبخيل بها أنت ومن لم يجد بها تجد
فما سمعنا بمثل موتك إذ مت ولا مثل غيشك النكد
عشت حريصا يقوده طمع ومت ذا قاتل بلا قود
يا من لذيذ الفراخ أوقعه ويحك! هلا قنعت بالغدد
فلم تخف وثبة الزمان كما وثبت في البرج وثبة الأسد
عاقبة الظلم لا تنام وإن تأخرت مدة من المدد
أردت أن تأكل الفراخ ولا يأكلك الدهر أكل مضطهد
هذا بعيد من القياس وما أعزه في الدنو والبعد
لا بارك الله في الطعام إذا كان هلاك النفوس في المعد
كم دخلت لقمة حشا شرهٍ فأخرجت روحه من الجسد
ما كان أغناك عن تصعد البرج ولو كان جنة الخلد
قد كنت في نعمة وفي دعة من العزيز المهيمن الصمد
تأكل من فأر بيتنا رغدا وأين بالشاكرين للرغد
وكنت بددت شملهم زمنا (اى الفئران) فاجتمعوا بعد ذلك البدد
ولم يبقوا لنا على سبد في جوف أبياتنا ولا لبد
وفرغوا قعرها وما تركوا ما علقته يد على وتد
وفتتوا الخبز في السلال فكم تفتتت للعيال من كبد
ومزقوا من ثيابنا جددا فكلنا في مصائب جدد
المراجع :
فهرس شعراء الموسوعة الشعرية ، والبداية والنهاية للعلامة ابن كثير وفيات سنة318 ه ، وسير أعلام النبلاء للإمام الذهبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق