يقول ابن القيم في بدائع الفوائد [2/ 309] : وهذا
بين بحمد الله عند أهل العلم والإيمان مستقر في فطرهم ثابت في قلوبهم يشهدون
انحراف المنحرفين في الطرفين وهم لا إلى هؤلاء ، ولا إلى هؤلاء . بل هم إلى الله
ورسوله متحيزون ، وإلى محض سنته منتسبون يدينون دين الحق أنى توجهت
ركائبه ، ويستقرون معه حيث استقرت مضاربه لا تستفزهم بداوات آراء المختلفين ، ولا
تزلزلهم شبهات المبطلين . فهم الحكام على أرباب المقالات والمميزون لما فيها من
الحق والشبهات ، يردون على كل باطله ويوافقونه فيما معه في الحق ، فهم في الحق
سلمه وفي الباطل حربه . لا يميلون مع طائفة على طائفة ، ولا يجحدون حقها لما قالته
من باطل سواه . بل هم ممتثلون قول الله تعالى : يا أيها
الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا
اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون [ المائدة : 8
]، فإذا كان
قد نهى عباده أن يحملهم بغضهم لأعدائه أن لا يعدلوا عليهم مع ظهور عداوتهم
ومخالفتهم وتكذيبهم لله ورسوله ، فكيف يسوغ لمن يدعي الإيمان أن يحمله بغضه لطائفة
منتسبة إلى الرسول تصيب وتخطىء على أن لا يعدلوا عليهم . بل يجرد لهم العداوة
وأنواع الأذى ولعله لا يدري أنهم أولى بالله ورسوله ، وما جاء به منه علماً وعملاً
. ودعوة إلى الله على بصيرة ، وصبراً من قومهم على الأذى في الله ، وإقامة لحجة
الله ومعذرة لمن خالفهم بالجهل لا كمن نصب معالمه صادرة عن آراء الرجال ، فدعا
إليها وعاقب عليها وعادى من خالفها بالعصبية وحمية لجاهلية ، والله المستعان وعليه
التكلان .اهـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق